01 نوفمبر 2010

من جيب بنطالي

من جيب بنطالي

" أيها الإله المنتصر الخصيب، يا من فُتحت له الأرتجة المستعصية، وكُتبت له الأروقة المستعدية، يا بعل النيزك يا شمضوت يا أخا زيجوريم، أحّه بجد أحّه، يا ربّ الطلاسم الشنعاء، والبلاسم العجفاء، لك الزواحف اللزجة والضفادع النزقة، لك ما في الزوايا والكهوف والهضاب والمكسّرات، المجد لعظمك المتعالي عن الألسنة والذوالق واللغات، الحمد لمقامك المرشوش جيّداً بماء الورد في موسميْ الحرث والحصاد وما بينهما، جيم كاف عين ظاء، شلضم فلضم، يا رائج الصدفة يا مداوم الموبقات، اغسلْ روحك كويس ولنلتفي في مكان معطّر ونظيف.

باسمك نكرّس هذا الحجاب "

* * *

وجدت هذه الورقة المكرمشة في جيب بنطالي وأنا أقوم بخلعه استعداداً لطقوس الغسيل. أمامي كومة مبعثرة من الأسمال والهلاهيل، والهرابيد أيضاً، وأنا أقف مشدوهاً، محملقاً بحيرة وارتباك في هذه الورقة المكرمشة، التي دسّها أحدهم في جيب بنطالي المخلوع.

من أين جاءت؟ ومن كتبها ولماذا؟

هناك عدّة جهات أشكّ فيهم في الحال: طائفة السينتولوجيا، وممكن أيضاً جماعة البقرة المبتسمة، أو حتى داوود ذي القميص الفاقع الألوان. ولعلّ كلّ ما في الأمر أنه بعض المشعوذين العابرين، مرّوا ودسّوا ثم انسحبوا الى غير رجعة، ربما.

هذه المغسلة تقع عند تقاطع الطرق، تظلّ مفتوحة من الساعة العاشرة صباحاً حتى الساعة الحادية عشر مساءاً، أتردّد عليها من حين لآخر بهدف إزالة التراب والجراثيم والميكروبات وبقعات القهوة والشاي عن ملابسي، التي تتكوّن من سراويل وقمصان وكوفيات وبنطلونات طبعاً، ثم أحزمة وقلنسوّات وغوايش وبراطيش بكاروهات، وما أدراك ما براطيش بكاروهات، وسوتيان وشمسيّة وسترة وصولجان، كلّ هذه الأغراض، أرميها في مخلاة واسعة من الخيش، أربطها جيّداً بخيط من الحرير الأخضر وأحملها الى المغسلة الواقعة عند تقاطع الطرق، اذ ليس ثمّة غسّالة في الشقّة.

ألقيت الورقة المشبوهة جانباً، وعدت الى الخرق البالية المتكوّمة أمامي، رميتها كلّها في جوف المكنة الفاغرة فاهُ، فجلست على كرسي أبحلق في الدوران المتزبّد حتى مللت ذلك فأخرجت رواية وانغمست في المطالعة.

- انت بتقرا عربي؟ قال. أنا كمان، قال. شوف كرّاستي، مكتوب عليها اسمي بالعربي.

فأخرج الكرّاسة، ذُهلت، مكتوب على غلافها ببنط أسود كبير: اسرائيل.

- اسمك اسرائيل؟ سألته. وهكذا تعرّفت على اسرائيل، مكسيكي يهودي يتكلّم اللغة العربية يعمل في المغسلة.

اتّصلت بالأخت نونو في مصر وقلت لها: سلّميلي على حمدي، وقولي له شكراً.

قالت: لماذا؟

قلت: كنت أقرأ روايته في المغسلة – سحر أسود – حين تعرّفت على إنسان فريد يتكلّم اللغة العربية. لأن كلّ شيء ممكن، وكلّ شيء غير ممكن أيضاً، في المغسلة.

وهذا مثلٌ اقتنعت به واعتنقته، مثلٌ متجسّدٌ في كومةِ الإمكانياتِ الفقاعيةِ اللانهائيةِ، لا تفقعُ ولا تذوبُ إنما تتزبّدُ وتترغّى ثم تتكثّف بحيث تزداد مرونةً وتحرّكاً، ليس بفضل الصابون-المسحوق لأن هذا ممنوع، بل بفضل الماء المتزوبع الذي تخلطه بالورق والسبارس والطمي والطمث، والخوص والريش والتنباك والألق، هذه كومة ملتقّحة من الأشياء المتشكّلة ترميها في المكنة وتضغط على الزرار المناسب لرغبتك في سخونة الماء أو عدم سخونته، وفترة الدوران التي قد تتراوح بين الساعة والنصف ساعة، ونوع الملابس، وجودة القماش، ثم تركب العجلة وتمشي، لعلّك ترجع الى البيت لكن هذا مملّ، أمامك الآن آفاق واسعة وآمال شاسعة، فالأجدر بك أن تجرّب الصدفة، وتستسيغ المفاجآت..