29 أبريل 2011

للجمهور

للجمهور

أكتب بوست واحد في الشهر؟ لأ، كده مايصحّش، الوقت بيجري نعم لكن قد عرفنا أنه - أي الوقت - ألوان وأشكال، ومن آي ذلك ما خضناه واستسغناه من الزمن الأخولوتي، والزمن البابلي، والزمن الاشتراكي الخ. لذا أخذتنا العجالة ونزعتنا السرعة نزعاً شديداً، فجرّنا جرّاً وأبطحنا أرضاً حتى خررنا ساجدين وقلنا: أمرك يا زمن، لا زمن إلا أنت، ولا خروج من هذا الشهر إلا بتدوينة واضحة وفصيحة، تكون آية في البلاغة والبهاء، والصراحة والدهاء، ولتكن هذه التدوينة موجّهة الى الجمهور، العامّة منهم والخاصّة، عسى أن يتذوّقوا من شجرة العلم ما أدلتْه من سفرجل وتمرحنا وجوافة وهندباء ..

أقول

الحمد لله الذي سخر لنا هذه الشبكة المعلوماتية العجيبة.. وسهّل لنا طرق الاتصال ببعضنا البعض وإن كنا متباعدين منفصلين آمين..

مختصر الحكاية من غير كلام كثير انني اطّلعت بالأمس على ملفّ الإحصائيات الخاصة بهذه المدوّنة المتواضعة واكتشفت ما يحير العقل السليم، ويثير الفضول السقيم، وأدركت بذلك أنني كنت أسأت تقييم جمهوري الافتراضي الذي كنت أفترض أنهم أناس مسالمون، يتّقون الله ويعملون الصالحات ومما رزقناهم ينفقون، لكن الحقيقة – كما اكتشفتها عارية مفشوخة – هي أكثر تعقيداً من ذلك، وهي – من غير كلام كثير – كما يلي:


طبعا انا ماليش دعوة بالحاجات دي أصلاً، أبدأ التدوين كل مرّة ولا أفكّر إلا في وشيش البحر كما تنقله اليّ صَدَفة ضخمة تدندن أيضاً بالنشيد الوطني الكولومبي، - قصدي يعني اعتبروني أطرش، يعني لو حضرتك عاوز لا مؤاخذة حصان مثلاً أنا ميخصّنيش .. ممكن تبقى عاوز جيلاتي برضو ميخصّنيش.. وأضف الى ذلك أني أعرف حق المعرفة أن هذه الإحصائيات هي بدون أي قيمة معرفية إطلاقاً، مثلها مثل جلّ الإحصائيات والمعطيات التي يعتمد عليها علم الاجتماع التقليدي، اذ أنها عبارة عن شذرات اعتباطية جُمعت في وقت يقاس بأقل من دقيقة، في سياق زمكاني غير معروف إطلاقاً، وفي حالة عاطفية-نفسية غير مؤكدة الخ..

ورغم كل هذه التحفظات، فإني أجد في هذا الجدول من المعلومات عذراً كافياً، وترخيصاً كاملاً لكي أرضي هذا الجمهور الافتراضي الجميل، وأخصّص هذه التدوينة لبعض مشاهد المؤانسة والإمتاع، والإمتاع والمؤانسة كما صوّرها لنا الأدب والفنّ قديماً وحديثاً، عسى أن تجدوا فيها قوتاً ناجعاً، وروياً للعطش، وشفاءاً للغليل وما الى ذلك ..

04 أبريل 2011

أعلن الرئيس

أعلن الرئيس

أعلن الرئيس خوسيه لويس رودريجيث ثاباتيرو أمس الأول أنه ليس بنيّته أن يترشّح لفترة رئاسية جديدة، وذلك حفاظاً على سلامة أسرته وتأهّباً لمستقبل حزبه واعتباراً لمصلحة اسبانيا العليا وهكذا .. وأنا عند سماعي هذا الخبر لقد ارتعدت مفاصلي قلقاً وانفطرت جوارحي جرحاً وألماً، حتى غارت مقلتيّ في محجريهما تحيّراً وداخت أفوادي في قحوفها فزعاً واضطراباً، مما دفعني الى الاقتناع بأنني لا أفقه معنى " أفوادي " وإلا فلماذا تقع داخل القحوف التي تفلت هي الأخرى من قدرتي على التفسير والتأويل؟ .. المهمّ، حاولت أن أردّ المسألة كلها الى كذبة ابريل اللعينة، لعلّ الرئيس ثاباتيرو يرمي علينا افيه، أو ينوي التفنّن في التنكّت والباليه، ثم تذكّرت ان الرئيس للأسف لا يعرف الرقص، وإن كان يجيد التنطّط ولعب الكورة فهذا لا ينفي صحّة الخبر الذي ضربني ضرباً، وأوقعني طريحاً كرباً.. لكني تحاملت على نفسي، وهززت خصري حتى استعدت شيئاً من الهدوء والاتّزان، والثقة والاطمئنان بعد ما خامرني من الأحاسيس المخلوطة، والعواطف المَنْفَلُوطة (من منفلوطي، وخبره أوردناه هنا)، فقلت بشيء من التفذلك: ألا يحسن بي أن أكتشف الجواهر، وأدور دوران المحاور، فأتوصّل الى أسرار هذه المشاعر؟ وإننا سنتعرّض ومن خلال عملية التنقيب هذه الى سؤال أبهر وأهم: ما هي الحياة السياسية، ومما تتكوّن؟

فقد نذهب الى القول بأن مشاعري هذه لا مكان لها في الجدال السياسي، أو قد نسلك مسلكاً غير ذلك فنقول بجواز هذه الأحاسيس، وإباحة هذه الأعصاب والمغناطيس، وفتح الباب أمام هذه الأخلاط أن تغرق ساحات النقاش، العامّة منها والخاصّة. والمعارضون يستشهدون في معارضتهم بأقوال بعض العقلانيين من ذوي الحكمة والاستقامة أن المشاعر تعاكس الحقّ، وتخالف الرزانة وتنافي الهدوء، بل وأكثر من ذلك اذ أنها عبارة عن زيف القناع، وتلفّق الفكر والاقنتاع، مما يشكّل خطراً جسيماً على عقول الجماهير، ونفوسهم التي تخضع وتنقاد كنفوس الحمير، وقيل البطّ أو الأوز اذ هؤلاء أقلّ فطناً وأحطاً ذهناً من أمثالهم من البعير، لكن، ما العيب في البهائم، فهي لا غنى عنها في الجدال والنقاش، والطرح والهراش، وما من قانون تمّ صياغته، وما من دستور تمّ حياكته، إلا وقد داخله الكثير من الثغاء والرغاء، والمواء والعواء، ناهيك عن نهيق الحمار ونهيم الفيل، فكيف تخلو الحياة السياسية من هذه الأصوات، وهي الخارجة أيضاً عمّا يشبه الفم، واللسان، والحلقوم والبلعوم؟ فاسمعوا واعوا.

نحن بأمسّ الحاجة – في عشية عصر ما بعد ثاباتيرو – الى توسيع آفاق الحوار، وتوفير أوقات للخُوار، فنطلق سراح الخيال، و نحرّر مصانع القرار، من تلك النخبة النخرة عظامها، المبلوعة ذوالقها، لا ضير في ضمّ هؤلاء لكن بشرط أن نضمّ أيضاً ما أنف ذكره من الصياح والعياط، والبهائم والوطواط .. لا مناص من الإقرار بأن ساحات السياسة القديمة، ودهاليز السلطة العقيمة يجب إعادة تشطيبها بما توفّر للعالمين من أثاث وعفش وموبيليات.. قباب البرلمان ومقاعده يجب إعادة تصميمها، ويجب أن نسأل أيضا، هل الشفافية هي ما نريده، على النموذج الألماني مثلاً، أو نزايدهم في ذلك فنسمح بدخول آلات علمية متطوّرة تبرز ما لم نعلم من قبل أنه قابل للظهور، والكشف، والفضح والفشخ، آلات وأجهزة مريبة مثل الميتيوفيريوم، أو الصناديق السوداء، وغيرها.

هكذا فقد رأينا منافع الحيوانات، وأبصرنا فوائد المشاعر والحركات، فقد نرحّب بها، أو لا نرحّب بها. قد نقبلها، أو قد نرفضها. لكن مثل هذه الأسئلة ليجوز طرحها، خاصة وأننا مقبلون على الحياة ما بعد ثاباتيرو.

حسناً، قلت، فلأتهيّأ لهذه المهمّة الجليلة، ولأبتعد عن المنكر والرذيلة، عسى أن أجترّ الظروف بصفاء بال، ووضوح حال، ولنبدأ بتأمّل الحيطان، اذ لا غضاضة في ذلك ولا بضان. فتبيّنت عندئذ أنها مشيدة من الطوب المحروق جيداً في أفران أحد المصانع الكبيرة المخصّصة لذلك، أو لعلّه يرجع الى احدى المزارع التي ينشغل أصحابها بمثل هذه الأمور، يرصّون الطين المبلول في صفوف منتظمة بعناية، صفاً صفاً، طوباً طوباً، فيتركونه للشمش تفعل به مفعولها، وتدلّ عليه مدلولها حتى يسري فيه الجفاف، ويعمّه النشف والعلاف ثم يبيعونه بالجملة في أسواق تختلط فيها رائحة اليود بفضلات البهائم وجلّتها.. كلّ هذه التفاصيل قد تكون مهمّة فيما بعد، اذ أنّ الصورة ما زالت غامضة، ولا يمكن الجزم والتحليل ولو بالسوائل الحامضة! مما دفعني الى الاقتناع بأن السجع له فوائد كثيرة، تربط وتفكّ، تفرز وتبكّ، فتنبثق منه شلّالات متدّفقة من الدم والزئبق والحليب والراح!

لكن هذه غرفة واحدة فقط، والظاهر أنها غرفة متواضعة بعض الشيء.. فلمَ لا تكون ملعب تنس، أو حلبة رقص وهي الأحلى، يتقدّم فيها أحدهم ويقول: “ لا لعقاب الموت " ثم يندمج في الموسيقى ويستبدّ به الطرب وهو راكب فوق تمساح يشارك البطّ ما اقتطف من الثمار الدانية المتدلّية، ليترك المساحة لغيره يتقدّم ويعوي: “ نعم لإباحة أفلام الرقصتين للمشاهدين من دون العشرة شهور " فيعارضه أحدهم بأن يعتلي كنبة مطاطية ويهتف بصوت يخلط بين بغام الظبي وفحيح الحيّة وهو إشارة توافقوا عليها الناس بعد فترة من المداولة والمباحثة وشكراً لمتابعتكم والى اللقاء..