29 يناير 2010

محطّات النموّ الإنساني الشريف

محطّات النموّ الإنساني الشريف

لقد صدف وعاش الإنسان على الأرض من السنين ما يقارب العشرة آلاف، حقّق خلالها عدّة إنجازات، كما أنه أتمّ بضعة معجزات، من أهمّها:

1) اكتشاف النار
2) اختراع العجلة وأخواتها
3) إقامة الولائم وإنشاء الأخلاقيات
4) ركوب الفيسبة
5) انتخاب الرئيس خوسيه لويس رودريجيث ثباتيرو
6) مقاومة الحرب على العراق
7) ثم أخيراً و ليس آخراً، ممارسة الانحطاط وكل ما يرادفه من ألوان الهبوط والفسق والعري والانحراف.

قد يشكّ ال
بعض في أهمية هذه الأحداث السبع، التي ميّزتُها أنا دون غيرها من محطات النمو الإنساني الشريف، إلا أني أعتقد أنني لم أخطئ كثير إخطاء في الحسبان. وكما ترون، فإن من أهم المحطات الشريفة هذه ارتكاب الكبائر، واقتراف الموبقات، وتجاوز الحدود، والتخلّي بالتالي عن النقطة الثالثة، إذ هذا ينافي ذاك. وأعتقد أني لا أخطئ أيضاً في اعتباري الرواية السعودية المعاصرة من العناصر الجوهرية في ترسيخ النقطة السابعة، بل إنها يا إخوانها في مقدمة المروّجين للتهتّك والفجور والدنيء من الشؤون والأمور، ولها في ذلك دور ريادي.

واختياري هذا ليس تحيّزاً مني تجاه السعودية بشكل عام والرواية السعودية الحديثة بشكل خاص، إلا أن هذا النوع الأدبي المذكور لقد أثبت وحقق لنفسه هذا الشرف.

غازي القصيبي، تركي الحمد، رجاء الصانع، حنان الشيخ (والأخيرة ليست سعودية بالطبع، إلا أنها من ضمن الذين شاركوا في تصعيد الخطاب الاستسعادي - من سعودي - في الآونة الأخيرة، الأمر الذي يتبيّنه بوضوح المطّلع على روايتها الخاطئة "مسك الغزال"): هؤلاء الذين بقلوبهم مرض اذا خلوا الى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون.. الله يستهزئ بهم ويمدّهم في طغيانهم يعمهون! (حلوة يعمهون دي!)

وإننا لنشكرهم هذه الخطوة الحميدة، اذ بها يخطو الإنسان عدّة خطوات الى الأمام، هذا في الوقت الذي بدأ يراودنا الشكّ في أمريْ التقدّم والارتقاء، وتوجّه التاريخ نحو ما هو أفضل، وأنور، وأرسخ إثارةً وأشدّ فتنةً. وهي خطوة تساعدنا على إرهاف حساسيتنا التي قد نال منها شيء من الخفوت والجفاف، فنرجعها الى سابق عهدها ببريقها ولمعانها المشرقيْن.

لكن يجب ألا يغرّنا حماسنا وانتصارنا، فيشرد بالنا ونسرح عن لبّ القضية.. بل يجب أن نتوقّف ونجيب على السؤال الوجودي الكبير، الملحّ. وهذا السؤال بالطبع ليس "كيف" أو "متى" أو "الى أين"، إنما هو، بالطبع أيضاً: لماذا؟ أيْ لماذا السعودية بالذات؟

كي أجيب على هذا السؤال، يجب أن أعود بالذاكرة الى حفلة صاخبة جمعت بيني وبين الليدي جعجع، والليدي مادونا، بالإضافة الى صبا الحرز، التي رقدت صامتة، متدثّرة بغلافيها، على الرفّ. بدأت الليدي جعجع تخاطبنا عن وجه البوكر الذي كثيراً ما تتنكّر به أمام الرجال وغير الرجال، بغية أن تخدعهم فيخضعوا لها ساجدين. وهذه حيلة تجيدها: لا تضع مساحيق، لا تستخدم الروج، لا تتورط في عمليات الشدّ والصبغ، إنما تتحكم في تقاسيم وجهها بعقل وبهدوء، وبذلك تكتسب الغنائم. كل هذا في الوقت الذي فلّست فيه شمس الشموس، الشحرورة الفرفورة صباح. بالطبع.

الحقيقة أنني حسدتها - أي الليدي جعجع - قليلاً، اذ أنها تبلغ من الجمال ما يغنيها عن تطبيق الكحل حول الجفنين، في حين أني أضطر أحياناً الى استعماله أوقات الخلاعة والتغنّج. لكنه ليس اضطراراً كبيراً.

وقتها ذكرت الأستاذ الراحل إرفينغ جوفمان، وهو صاحب رؤية مختلفة للوجه وما هو. فإنّ الأستاذ جوفمان لا يركّز على الأبعاد الجمالية، والبوكرية، للوجه بقدر ما ينظر الى أبعاده اللغوية والاجتماعية. الوجه شيء مقدّس، يسعى الجميع وراء الحفاظ عليه: ليس وجوههم هم، بل وجه الفرد المتكلّم. فإذا قال ما يوحي بأنه عبيط، أو تافه، أو اذا قعد ساكتاً لا يصدر عنه صوت، فبذلك يسقط عنه الوجه كأنما أكلتْ فيه مجموعة من الجراثيم: عدوى يخشاها جميع الحاضرين، يتملّكهم الرعب والارتباك، فيسرعون الى ممارسة طقوسهم المعتادة على سبيل الشعوذة والعلاج. وايش جاب لجاب؟


الشيء بالشيء يُذكر، ولا يحكم بالضرورة أن يكون لهذا علاقة بذاك، فإنْ تركت المسألة السعودية فلا ضؤولة في ذلك.

تحديث: إنّ الراغب في معرفة المزيد عن رجاء الصانع خاصةً، وعن تيّارها الفكري المنفرد والمتدفّق عامةً، عليه بعدّة مقالات بقلم العلّامة العظيمة، ذات الآفاق الواسعة والمعرفة الشاسعة، المترسّخة الثابتة في علمها كما في حلمها، الأستاذة العزيزة منيرة الغدير. وأخصّ بالذكر مقالة صدرت لها من عدة سنوات بعنوان: " كتب الوراور والمزز: وهي غير كتب الجواري والمحظيات " فإنّ المقبل على هذه المقالة ليجد فيها قضاء وطره وبلاغ رشده بإذن الله.