03 يوليو 2011

يسألونك عن الجزمتين

يسألونك عن الجزمتين

هناك جهازاً مطاطياً، مستطيلاً مضلّعاً، لا يكفّ عن إفراز الجزمتين.

الجزمتِين، بكسر التاء لا فتحها، هو مادّة هلامية متزنّخة تنتمي الى فصيلة البنزين، والجبصين، والكافيين، والأوكسجين، والبارتاكوزين، .. الجزمتين.

هناك، حيث لا تراه، جهازاً يفرز الجزمتين باطّراد. لكنّك اذا رأيته بعين الخيال، فهو أشبه ما يكون الى ثعبان أمهق، لا رأس له ولا ذنب، فهو من الطرفين يطلّ عليك بفوهتين مدوّرتين، مفتوحتين على الدوام. يحزق جسده الطويل فيبرز ضلوعه من تحت الجلد، ثم يسترخي فجأة رفسة واحدة، رفستين تلاتة فيتدفّق من الطرفين سيل دخاني كثيف: هو الجزمتين.

-- ورقة مندسة في جيب بنطالي


بعد مرور عام كامل على إطلاق الرواية-المشروع، أو المشروع-الرواية، المعنونة جزمتين ، ها نحن نعود لنجدّد العهد، ونمهّد الطريق، ونجلس بشكل منجعص واضعاً ساق على ساق، ضارباً كفّ على كفّ، ليس لشيء إلا لنرشّ على الرصيف القليل من الماء، ونسحب نفثة قوية من غليون فرنجي معقوف الطرف، محدودب الرقبة، فنكيل على المارّين بسيل من السبّ والقذف، والشتم والردح، وليكون ذلك كله على سبيل الهزل لا الجدّ، فالثاني متطفّل على الأوّل، وخاضع له بالحمد والامتنان.

كنت وددت، والحق يقال، أن أرى هذه الرواية تختفي، وأن أرى هذا الاختفاء بسرعة ودون تأجيل، والحق يقال أيضا، أني جرّبت كافة الوسائل، بل وجميع الطرق، في سبيل هذا الهدف الجليل، فلقد أدبرت وسعيت، فحشرت فناديت، زاعماً بأني سأقضي على هذا النصّ المقرف لا محال، وأن أراه يحترق، أو يذوب، أو يتلاشى بطريقة أو بأخرى.

وخططت لذلك تخطيطاً جيّداً، وأعددتُ له إعداداً حسناً، فجعلت أشحذ ذهني بحثاً عن أفضل السبل للقضاء على هذه الرواية الملعونة التي جاءت مسخاً من مسوخ جهنّم، بل وأكثر من ذلك، فهي كتاب يشوّه صورة ثقافتنا الشيكاجاوية العريقة، وتسيء الى سمعة كاتبها بالداخل وبالخارج، والأنكى من هذا كله، أنه يصاغ بلغة انجليزية هجينة، متفكّكة ركيكة، تنافر الذوق العام وتخدش شعور الصالحين من القوم. رواية سمجة رديئة، مبتذلة العبارة معادة النغمة والقول..

لذلك قلتُ فيها إثر صدورها:


هذا أسوأ كتاب قرأته في حياتي ، إنه كتاب لا يستحقّ سوى التمزيق والإحراق

ساذج وسطحي وبأسلوب ركيك للغاية، المؤلّف يجب أن يستحي من هذا العمل الرديء وشكرا

ولم يمرّ وقت طويل حتى سمعتُ صدى صوتي، وفرحت فرحاً عظيماً، وخالجني الكثير من البهجة والحبور والهناء والسرور، اذ جاءني كلام مؤيّد لكلامي، ووجدتُ أناساً يشاركونني الشعور بالتقزز والاشمئزاز تجاه هذه الرواية-المسخ، أو المسخ-الرواية. قالت تسنيم فهيد:

الأخ ده مريض نفسي؟؟
و الا فاكر بالشكل ده إن الكتاب هينتشر؟

وقالت خديجة عادل، من القاهرة:

لا تستحق القراءة

كما أيّدتْها في ذلك "جسجاس" من السعودية. ثم علّق إسلام كريم، وهو أيضاً من القاهرة، قائلاً:

اسم على مسمّى

ومن ناحيتي فلقد فرحتُ جداً، والحقّ يقال، لقراءة مثل هذه الشتائم المصيبة، إلا أنني في الآخر يئستُ، فما هؤلاء النقّاد إلا أنصاف قرّاء، ومعظمهم للأسف مخصيّون ومهرّجون سفهاء لا يعرفون سوى النكد والاستمناء على الورق، لذا ليس من حقّي أن أفرح لشتائمهم، والشتيمة توزن بقدر صاحبها لا أكثر ولا أقل. فأنا في النهاية لن أفرح إلا اذا شتمني أحمد فؤاد نجم ذات نفسه.


* * *

انت فين والكلب فين / انت قده يا اسماعين / طب دا كلب الست يا ابني / وانت تطلع ابن مين؟

هيص يا كلب الست / هيص / لك مجامك / في البوليس

بكره تتولف وزاره / للكلاب / ياخدوك رئيس

ما زالت هذه الرواية، للأسف الشديد، حيّة تُرزق .. بذلت قصارى جهدي للإتيان عليها، إلا أنها ظلّت تقضّ مضجعي، وتسبّب لأيامي الكثير من الصداع والأرق والبلبلة والسهاد . كنت أنسحب الى داخل طوايا السرير، أتململ متهتهاً، بصوت يكاد لا يُسمع: " قازوزة.. قازوزة.." .. تتلمظ شفتيّ، وتلتوي، وتصدر صوتاً أقرب ما يكون الى الفقاعة البكرة قبل ذوبانها، أو هبوط الفراشة على القدم إثر اقتلاع محتوم. والرواية على حالها، تتبغدد بزهوّ وكبرياء، وتصدر اشعاعاتها السرطانية الملوّثة كيفما اتفق..

حتى جاء اليوم الذي رأيت في جانبها عطباً طفيفاً، كالجرح المنكوء، يبكّ مادّة هلامية كريهة الرائحة، ورأيت هذه المادّة الهلامية الكريهة الرائحة تكثر، وتندلع على بضعة صفحات من الرواية الكريهة الرائحة هي الأخرى. وتخثّرت المادّة الهلامية الكريهة الرائحة على بعض الهوامش، ولغوصت بعض السطور لتكوّن كلمات جديدة، وجمل جديدة مغايرة للأصل، فكان التشويش تارة، والتحسين تارة أخرى.

وإني لأنتقي لكم بعض الشواهد على قولي هذا في النصّ، فلكم على سبيل المثال الصفحة الثانية من الخطوة الخامسة عشر حين أقول:

عصابات وجماعات تنظيمات، يغمض عنها رؤيتهم قليلاً الطنين المتنظم لمارش ميليتار، تختلط فيه مقاطع مهموسة من روائع إديت بياف ..

وهذا قبل اندلاع المادّة الهلامية الكريهة الرائحة، أمّا بعده فالجملة نقرؤها الآن على المنوال التالي:

عصابات وجماعات تنظيمات، يحجب عنها رؤيتهم قليلاً الطنين المتنظم لمارش ميليتار، تختلط فيه مقاطع مهموسة من روائع إديت بياف ..

وهو تغيير من باب التحسين والإصلاح، يخص كلمة واحدة لا أكثر ولا أقل. كذلك سيجد القارئ المستحدث أن الفصل المعنون "قهوة" قد امّحى تماماً جرّاء أحداث المادّة الهلامية المشار اليها، ليحلّ محلّه فصل آخر من ذوق العطب الظاهر في جانب من الرواية المنحطة، الآيلة للسقوط والترقيع من حيث لا تحسّ!

والباقي آتٍ آتٍ آتٍ