27 نوفمبر 2011

رسالة في مفاخر المنجّمين ومباخر المشعوذين وبعض ما أغنانا عن تناول البارتاكوزين

رسالة في مفاخر المنجّمين ومباخر المشعوذين وبعض ما أغنانا عن تناول البارتاكوزين

زاوية الغرابوة في السيّدة زينب هي كومة من العواميد الخشبية المتهالكة، ومسكن لأصناف البرص والجنادب والسكارى الضالّة، وهي تكاد لا تلفت نظرك وأنت تنحرف من شارع عبد السلام عارف إلى زقاق فتحي أبو النحّاس، وذلك رغم الطنين شبه الحيواني المنتظم الصادر عن الأجهزة الالكترونية المجهولة، المدفونة تحت ترابها، ولمعان رائحتها النفّاذة، الجامعة بين رواسب النشادر، وخلاصة اليود، وخفّة الجَخَر، وغلاء البَرَبَسّ ..

وهي كلّ ما يتبقّى من مجد الأيام البائدة التي شهدت ما لا يخطر على أحد ببال، فلا ذكرى موثّقة ولا كلمة معتبرة تدلّنا على تلك الاختراقات الصارخة التي جرت هنا ذات يوم، اللهمّ إلا إذا أخذنا بعين الاعتبار تلك الهمسات الجارحة، والترّهات الشارحة، والاتهامات البارحة والإيماءات القارحة التي أطلقها ذوو الحناجر المتهدّجة بحكم السنّ والجهد، والسعي أيضاً، لكن .. في نهاية الأمر، ما من شاهد يثق فيه جميع الأطراف، فلا عبد الرحمن الجبرتي عرف بوجود هذه الزاوية، ولا العم خيري شلبي كتب عنها في أية من رواياته الحشائشية تلك، ولا حتى نجيب مخفوز الإسرائيلي، الساكن على بعد خطوات منها، دوّن في مذكّراته المشهورة – الملآنة بالسرائق الأدبية – ما يشير إلى وجود هذا الصرح الهائل، الواقع قرب منعطف شارع عبد السلام عارف، إلى جانب زقاق فتحي أبو النحّاس.

زاوية الغرابوة .. والله كانت أيام ، كان يقيم هنا الشيخ حسين السيّد الشيمي، المعروف بلقبه العبقري الفلكي ، والذي كان يجوب بعطفات هذا الحي وأركانه المظلمة في الساعات المتأخّرة من الليل، وهو يتمتم ببركاته وطلاسمه العجفاء، بورِك الليل ومن فيه، بورِك الساهرين في قاع المدينة، بورِك الهاجعين هرجاً، والماكرين مرجاً، كتب الربّ أسماءكم على لوح محفوظ، كتب إبليس أسماءكم أيضاً، الطوبى لكم، الطوبى لكم..

لكنه يؤول في نهاية المطاف إلى زاويته تلك، التي تحتوي على ما يسمّيه المختبر، وأحياناً يستظرف ويقول عليه مصنع الضجيج والانحراف أو خلية النحل أو حتى معمل الإشاعات وهذا الأخير هو الأدق والأجدر كما سنتبيّن في ما بعد. وهو المكان الذي كان يؤوي الشيخ أيام اضطهاده من قبل رجال الشرطة في السبعينات، بل وقبل ذلك إذ كان يتّخذ الزاوية ملجأً له أيام ما كان مجاوراً في الأزهر الشريف، حيث اتّفق له أن تنمو بينه وبين الأديب الكبير طه حسين علاقة ودّية لا هي صداقة ولا هي عداوة، لكن المؤكّد والمعروف أن الأخير أخذ عنه فيما بعد تقليد العمي والتعامي، والنظّارة الشمسية المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بتورّطهما في مغامرات السلطة، وأي سلطة، إلا أن السيد طه حسين لم يعِرْ زميله هذا كبير احترام في آخر الأمر، إذ سرق النظّارة وذهب يتخبّط هو في سبيل، والشيخ حسين السيد الشيمي في سبيل آخر. المهمّ، اعرفوا أن المجاور الأزهري الصغير كان ينتبذ جانباً بعد انتهاء حلقاته الدراسية اليومية – والتي كان ينكمش ساكتاً فيها ليس خجلاً إنما اندماجاً في أمور أجلّ وأعظم ظلّت مجهولة لزملائه – فيجري مهرولاً إلى زاوية الغرابوة التي ألف دفءها واطمأنّ إلى رطوبتها وعراقتها و .. بعدها عن العيون .. فيحقّق ما لا يحقَّق، ويحلّ ما لا يُفكّ، ويَرْكَب ما لا يُرْكب.. وليت شعري ما كان يركب، وكيفية ذلك..

وأغلب الظنّ أنه هنا قد نال لقبه الشهير العبقري الفلكي فدعنا نتأمل هذا الاسم ونقضم قشرته ونخبّ أمواجه ونتابع تردداته عبر اللغات والأزمنة واللهجات والألسنة فنقول أما العبقري فهو لقب على سبيل التفاخر وقلة التواضع، والهدف منه إضفاء شيء من الذكاء والفطنة على صاحبه وفي ذلك تناقض مبين، إذ كيف يسمح لك ذكاءك بهذا الإفراط الفجّ في إبراز الذات، وإدّعاء المعرفة، إلى درجة إدراجك في خانة الكيتش وأصناف التألق البذيء؟ لكن هنا يعترض البعض ويقومون ملوّحين بسبابتهم إلى وجه غير معلوم، فيعزون تبجّحه هذا إلى نوع من التسرّب غير المقصود، والإفساح غير المعقود، فيوضح ما كان غامضاً، ويعرض ما كان ضيّقاً إذ أن العبقر في اللغة – والأصحّ عبقر بحذف الألف واللام – هو موضع بالبادية كثير الجنّ ، وفي ذلك إشارة خفية إلى طبيعة عمله في تلك الزاوية المظلمة تارة، والمضيئة تارة أخرى، والبعيدة عن الأنظار في جميع التارات.

أمّا فلكي فهو نسبة إلى العلوم الغامضة التي كان يمارسها، وقيل ابتكرها، وهي جوهر حديثنا اليوم. صحيح أن التنجيم كثيراً ما يرتبط بالصحافة الصفراء، وعادات الاستهلاك الرخيص، والتخلّف العقلي، والتمادي في الباطل .. صحيح هذا ومضبوط .. لكننا سنعيد النظر فيه هنا على سبيل التجربة لا التقييم، علنا نكتشف ما هو جديد، وما هو مفاجئ، وما هو مهيّج.

العلوم الغامضة


" حاذِرْ مِن الأَشْقَر والأَعْوَر وكَبير الشَفَتَيْن " ، بهذه الكلمات الواعظة، يقدّم لنا العبقري الفلكي رؤيته المختلسة لليوم السابع من فبراير، سنة ثلاثةٍ وستّين وتسعمئة وألف. وهي الكلمات التي جنّبت القرّاء من ذلك الجيل الكثير من المصاعب لا شك، ولا سيّما تلك الناتجة كالعادة من الشُقر والعُور، أمّا كبير الشفتين فأظنّ أن شيخنا قد أخطأ هنا، لأسباب ذكرها ثقيل فلنفوّتها.(1)

وهذا قليل من كثير، سيجد القارئ مثله في كتاب صدر عام 1962 بعنوان تقويم العبقري الفلكي: 1963، الذي وصل إليّ مؤخّراً عبر البريد الأمريكي من جهة غير معلومة، حيث أن العالم بهذه الأمور سيؤكّد أن ثمة 3 مكتبات فقط في الولايات المتحدة الأمريكية تحمل رفوفها هذا الكتاب، المهم أنه بحوزتي الآن، وأنا لا أنوي به إلا الخير، وإن كان هذا الخير تعكّره جرعة من الفسق. وقد يحقّ لنا أن نسأل: وماذا كان ينوي به الكاتب نفسه؟ أتكون نزعته فيه لقوى الخير أم لقوى الشر؟ ولِمَ ألّف هذا الكتاب أساساً؟ فاعلموا أن سبب ذلك هو الحبّ، وتفصيل ذلك فيما بعد. لكننا نودّ وقبل الخوض في المسائل الغرامية أن نبسط أمام القرّاء الأعزّاء موجزاً مختصراً لنظرية العبقري الفلكي المتكاملة في التخيير والتسيير، فهي التي تشكّل حجر الزاوية الذي ترتكن إليه علومه الغامضة وشعبذته اللامضة.

قال: فإنني بمعرفة ساعة ميلاد أي شخص ويوم ولادته وشهره وسنته بالضبط يمكنني معرفة حياته وسعادته أو شقائه ورزقه ان كان واسعا أو غير ذلك وما هو مقدور له في الزواج مثنى أو فرادى وما يكون له من أولاد أو هل هو عقيم بل وشكله ودقائق جسم وصورته وما وهبه الله من العقل وكيفية مماته الخ .. أقول ذلك وإني مستعدّ لأداء هذا لامتحان لمن أراد أن يتدبر أمر ذلك العلم الجليل بالفحص والتمحيص ولا أولئك الذي يتشدّقون بالقول الهراء (كذب المنجّمون) ولا الذين هم في قصورهم العاجية متعالين عليه ظانين بانه من قبيل السفسطة والتدجيل ولم يكلفوا أنفسهم مشقة التجربة والفحص شأن العلماء العاملين .. (ص 7)

هكذا فيؤكّد لنا شيخنا أن هذا العمل الذي يقوم به هو علم من العلوم، قائم على التجربة وقابل للخطأ والصواب. وليس من الحق أن نقول إن العبقري الفلكي هو أول من باشر بالعمل في هذا العلم، إذ يقرّ ويعترف بأنه مجرّد تلميذ لهذا التراث المعرفي العريق الذي يمتدّ إلى أيام الفراعنة الأولى، ولعلّنا نزيد على هذا ونؤكّد، أن حسين السيد الشيمي ما هو إلا برعماً تفتّح على غصن طويل وطويل، نبت على شجرة أثمرت براعم أخرى مثل راسبوتين الفوّاح، والسيّدة جوان والسيّد كارول الملازمان للرئيس الأمريكي الضائع عقله رونالد ريجين وعقيلته نانسي، بالإضافة إلى فئة المنجّمين المذكورة في قصيدة فتح عمّوريّة لأبي تمّام، وغيرهم كثير، فهؤلاء كلّهم منجّمون مشعبذون انشقّوا عن الميل نفسه، والهوى نفسه الذي نُفخ في سيّدنا الشيخ حسين السيد الشيمي العبقري الفلكي..

فإنّ التنجيم هو علم من العلوم القائمة في عالمنا، ويكون الهدف منه أسوة بالعلوم الأخرى التتبّع الدقيق لتغيّر الأشياء وتحرّكها، ورصد الآثار المميّزة والآيات المعقّدة، والتوصّل من ظواهر الأشياء إلى بواطنها، وإرجاع كل علّة إلى معلّل، وكل فعل إلى سبب، فكل خبر إلى مبتدأ وهكذا.. ومن ثمّ التنبّؤ نعم التنبّؤ ، الذي هو الأمل المنشود وراء العلوم جمعاء.

علاما يقوم علمه هذا؟ ما هي مواضع بحثه، ومراكز فحصه؟ وأين تقع ظواهره التي تدلّ على بواطنه وبالعكس؟

قال: إذا ولد مولود وكان في طالع ميلاده كوكب المريخ فنؤكّد بأن ذلك المولود سيكون عصبياً سريع الغضب يقحم نفسه فيما يعود عليه بالتلف ولا يملك يده عن البطش بالغير وذلك الشخص يكون عرضة للتشنج العصبي ولا يفيد فيه أي علاج من الذي يعتمد عليه الطب الحديث من كهرباء أو خلافه وذلك لأن طبيعة المريخ عند ميلاد الشخص ترسل إليه أشعّتها المملوءة بالعناصر الحية التي لم يكتشفها العلم بعد فتدخل في بنيان جسمه وتتكاثر في دمه وتسيطر على تفكيره طول حياته فيصبح مقهوراً لتلك الإشعاعات حسب طبيعتها وخصائصها ولا يمكنه التخلف عما توجه إليه مطلقاً (ص65)

هكذا إذن ترسل الكواكب "الإشعاعات" الغريبة التي تفسّر لنا سلوك الفرد ومصيره المحتوم، وبالتالي فهذا العلم يقوم على استخلاص هذه الإشعاعات من خلال رصد آثارها البيّنة. ويعود ويوضّح لنا ماهية الإشعاعات فيقول إنها الكائنات الحية الجارية في دمه (ص 66) أي دم الشخص المولود تحت برج معيّن، فهي بمثابة الشيطان [الذي] يجري من ابن آدم مجرى الدم . ويستطرد قائلاً أنها اشعاعاتها الكوكبية التي يسمّونها اللكترونات (70). وهي قوى غامضة على أية حال، لم يكتشفها العلم الحديث بعد. لكن الأمور تزداد غرابة حين يقول: تلك هي الإشاعات الخفية التي ترسلها المجموعة الكوكبية الشمسية في جسد المولود كل كوكب حسب قوته في ذلك الوقت (66). لاحظوا هنا كيف تتحوّل الإشعاعات إلى الإشاعات، نعم هذا ليس خطأً مطبعياً وإن كان كذلك فهو خطأ دالّ. ويضيف: التي تسيطر على كل مولود في الحياة بما ترسله من إشاعاعات تحمل في ثناياها القوى الروحية التي تستكن في جسد الإنسان وتلهمه بما قدر له (67). فلنتوقّف هنا قليلاً كي نتأمل ما يحدث للكلمة، التي تتحدرج وتتفكّك من أشعّة إلى إشعاعات إلى إشاعات إلى إشاعاعات. فندعنا نسأل: ما هذه السيولة في الكلمة، هذه الميوعة؟ ماذا يقصد شيخنا الفلكي بهذا التساهل – وأؤكّد لكم أنه تساهل مقصود ومتعمّد – هذا التساهل في اللفظ والهجاء؟

فاعلموا أن الشائعات أو الإشاعات هي تلك الأقوال المنتشرة في الجسد الاجتماعي، هي الأخبار التي تطير طيران الحمام وتشكّل وتكوّن سمعة الإنسان، وخاصة النجوم منهم إذ أنهم لشهرتهم يصيرون أكثر تعرّضاً للأراجيف الفاسدة والأحاديث النادرة، فيستحيلون إلى دمى تحرّكهم هذه القوى المارقة، وتدفعهم إلى هذا الموضع أو ذاك. ولهذا السبب جاء الشيخ حسين السيّد الشيمي، الملقّب بالعبقري الفلكي، وافتتح مختبره الذي سمّاه معمل الإشاعات كما سبق وذكرنا. وفي هذا المكان، كان يفحص الإشاعاعات فحصاً، ويمحصها تمحيصاً، فيتوصّل إلى مكوّناتها الفيزيائية الغامضة، ويتبيّن لمعانها المخيف..

والمؤكّد أنه في هذه الكلمة سرّ أسرار العلم الغامض الذي يزاوله، أو بمعنى آخر نقول إن هذه الإشاعات-الإشعاعات هي زاوية الحجر التي يقوم عليه التنجيم لدى العبقري الفلكي، هي الباطن الذي يفسّر لنا الظاهر، أي العنصر الخفي الذي يبرّر سلوك البشر وتصرّفاتهم، أخلاقهم وطباعهم، والمسلك الذي يسلكونه في هذه الحياة الدنيا الآن وفي المستقبل.

يقول: وجعل لكل إنسان طباعه التام التي هي تلك الروح الفلكية السابحة في جسده والمسيطر عليه روحياً بتلك الالكترونات الإشعاعية الكوكبية (71).

تلك الالكترونات الإشعاعية الكوكبية: ووراءها النجوم، ووراء تلك النجوم الملائكة، ووراء تلك الملائكة الله.. والشيطان أيضاً. ومن هذا كله قد نستنتج أن الإنسان مسلوب الإرادة فهو خاضع لتلك القوى الخفية التي لم يكتشفها العلم بعد.

يقول العبقري الفلكي: فمن قائل يقول إذا كان الأمر كذلك فكيف يحاسب الله الناس على أعمالهم يوم القيامة إذ أنهم مجبورين في أفعالهم (71)

لكنه يدحض هذا القول دحضاً وهو يصيح: فاعتقد يا أخي بأنك مختار في هذه الحياة فتجنّب النواهي يلهمك الله الخيرات (73).

اذن يبدو لنا أن هذه الإشعاعات تؤثّر وتقود لكنها لا تسيطر سيطرة كاملة، فهي بمثابة النزعة الكامنة وراء أفعال الإنسان، الدافع الهيّن والحافز الليّن، وقد يشتدّ هذا الدافع ويحتدّ ذلك الحافز وفقاً للظروف المحيطة بنا، فهذه النزعة تضعف أو تقوى حسب مقتضى ذات الحال.

لكننا نقول إن هنا نقطة توتّر – وبلاش نقول نقطة ضعف – في نظرية العبقري الفلكي، إذ أنه يجتهد ويكافح كي يصل إلى التوفيق بين ضدّين هما التخيير والتسيير، فتأتي إجاباته قاصرة ضعيفة غير مقنعة في نهاية المطاف الذي لا سدّ له ولا حدّ في واقع الأمر. ومع ذلك، فلعلّنا لا نخطئ في القول بأن عبقريّته لا تقلّ عن عبقريّة العلوم الاجتماعية الأخرى، المتداولة عبر قنوات فكرية أشدّ بأساً وأملأ كأساً، وخاصة تلك التي تروّج لأفكار مثل الأثير الاجتماعي، والبنية العميقة، واللاوعي العائلي، والأخلاط، ونحو ذلك. فالإشاعات الكوكبية لا تختلف عن تلك القوى الخفية اختلافاً كبيراً إلا من ناحيتين هما: 1) الإثارة و2) الجمهور.

هنا دعنا نتنفّس قليلاً.

نفساً عميقاً، رخواً.


قصّة حبّ

ثم نتساءل: من هم جمهور العبقري الفلكي؟ من يخاطب، ولمن ينجّم؟

سيّداتي وسادتي: قد لا تستغربون حين تفتحوا كتاب تقويم العبقري الفلكي على صفحة 74 وإذا بوجه القمر التالي يطالعكم:

نعم إنها السيّدة اعتماد خورشيد، الفنّانة الشهيرة التي شهدت في المحكمة ضدّ رجل المخابرات المصرية الفاسد صلاح نصر في أعقاب النكسة سنة 1967، والتي عادت إلى المسرح مرّة أخرى لتدلي بدلوها في أستوديو عمرو أديب مسخ الله وجهه. المهمّ، قد لا تستغربون ظهور هذه الصورة التي تأتي بلا مقدّمات في صفحة من صفحات كتاب العبقري الفلكي، لكن الأغرب من ذلك بكثير أنك تستمرّ في القراءة فلا تجد إشارة واحدة إلى هذه الشخصية، إنما كل ما تجده هو على سبيل الغمز واللمز، فتُفاجأ بالشيخ العبقري يفيدك بتفاصيل تنجيمية تخص هذه السيدة اعتماد خورشيد، من دون أن يذكر اسمها،

قال: وُلدت مولودة في الساعة الثانية صباحاً من يوم 29 أغسطس [هتلاقي ان صاحب هذه المدونة اتولد في 30 من نفس الشهر] سنة 1925. أي أنه لا يذكر اسماً ولا عنواناً، فقط هذا التاريخ والصورة المشار إليها.

ويستطرد قائلاً: فكذلك ستكون المولودة التي نحن بصددها تتسلّط على الناس وتترأس عليهم ومما يؤكد ذلك وجود كوكب المشترى السعيد في الطالع أيضاً ومما يزيد في سعادته أن هذا البرج شرفه فيزيد في سعادتها ويطيل عمرها ويحها كل من رآها وتكون ميمونة الطلعة جميلة الصورة لها بهاء وروعة سمحة سهلة (!) ممتلئة الجسم عريضة الوجه متناسبة في الطول (ص 76)

أجل ولا يكتفي بهذا إنما يواصل قراءة الطالع فيقول: ويكسبها طباع سيئة منها التسرّع في الأمور وإقحام نفسها فيما عليها التسرع بالضرر والاندفاع بدون تروي ويزيد في سلاطة لسانها ولا تتورع عن التلفظ بأقوال بذيئة ... حتى تصبح خطيرة صاحبة مركز ممتاز وتقود الجماعات سميرة للعظماء متفلسفة تحب العلوم الغامضة (76-77) ! لأ وكمان : يلهمها [القمر] بعض الأمور المستقبلة أي تنطق ببعض المغيّبات (79) !

يا ساتر أستر.

ثم اننا بناءاً على هذه المعطيات نحبّ أن نقدّم فرضية أخرى مفادها أن الشيخ حسين السيد الشيمي لم يكن منجّماً عظيماً فحسب إنما تجده كذلك كاتبا رومانسيا من الطراز الأول، ذلك أنه لا يشغل نفسه بذكر التفاصيل الغرامية البذيئة، ولا تنحو عواطفه ناحية الابتذال، إنما يفضّل أن يبقى هذا الحب، هذا العشق، هذا الهيام، سراً يشير إليه بطريقة ملتوية، فهو حبّ يتلألأ وراء السطور كمثل أضواء الأقمار الراقصة في النهر، الذي يرجّه المجذافُ وهناً ساعة السحر، كما قال الشاعر، فله في هذا الأمر تفانين عجيبة، تقرّبه من محبوبته شيئاً فشيئاً. وليس من المنصف أن نعزو هذا العمل بأكمله إلى احدى مكائد الغزل لديه، فالأحرى أن نقول إنه في هذا الكتاب كان يدوّن أحاسيسه باللغة التي يألفها وهي لغة التنجيم والتقويم، فإذا أراد أن يكتب رسالة غرامية لفعل لكنه لم يستطع ذلك لانعدام الوسائل في معمله، ثم أتى بهذا الكتاب المعجزة لتسجّل ما تلقّاه من إشاعات بعضها مغرضة، وبعضها غير مغرضة والله أعلم.

ويبقى السؤال: هل كان هذا الحب متبادلاً ؟ ونترككم مع الصورة التالية المقتبسة من كتاب اعتماد خورشيد شاهد على انحرافات صلاح نصر فرافقكم الله بالصحة والسلامة:



----------

(*) "كبير الشفتين" وفي لفظ بعضهم "شلاضيمو" التقينا به فعلاً في يوم من الأيام، وكان يشجّعنا على الرقص البلدي في ركن مشؤوم من المنشية. ولا يتأتّى منه الضرر على ما أحسب. ويجدر بنا أن نذكر أن " الشنفرى" وهو اسم لكبير الصعاليك إنما معناه في اللغة "كبير الشفتين" فقد نلاحظ هنا سوء تفاهم بينه وبين العبقري الفلكي والله أعلم.