26 يوليو 2010

نَعُودُ فَالعَوْدُ أَنِيتا

نَعُودُ فَالعَوْدُ أَنِيتا


كلمة على سبيل التقديم


قال أحدهم
:

إنّ الأشياء تتلاقى، ثم تتباعد، وقد تتلاقى كرّة أخرى، أو لا تتلاقى، ولا يرى الغيب إلا الله آمين..

لكنه لم يحدّد، ما هذه الأشياء التي يتحدّث عنها، هل هي - يا ترى - ذرّاتٌ كيميائية، هل هي الحبيبان قد افترقا ولو الى حين، هل هي الدالّ والمدلول، الكلمة والفكرة؟ لا أحد يعرف، لا أحد يستطيع أن يجزم - وهذا يُستحسن، فالجَزْم ينافي الأمل، والعقل يناقض الحلّ، ولذا فنحن نفكّ ولا نربط، نفشخ ولا نقفل، ولا يرى الغيب إلا الله آمين.. *


أقوال بعضهم في معنى أنيتا

قال أحدهم: إنها تصغيرٌ للأنا.

لكننا نعرف أن هذا خطأ، حيث أننا لا نؤمن بوجود الأنا، وهو الرجل داخل الرجل، أو الإمرأة داخل الإمرأة، كائن صغير غير مرئي يقبع في مكان ما في الجي، اللي هي الجمجمة، اللي هي الدماغ، فيحيك الخيوط ويجذبها، وبذلك يسيطر على تحرّكاتنا وتصرّفاتنا بسرّية واستغلال.

حسناً، هذه وجهة نظر لا بأس بها، لكني أجد صعوبة في إيجاد هذا الرجل الصغير ذي الخيوط الطائلة الطويلة، حتى الآن لم أجد هذه الخيوط، ولم ألق هذا المدير، وبالتالي ننطّ الى القول الثاني من غير تأخير.

وقال أحدهم: إنها الأمّ.

لكننا نعرف أن هذا القول يفتقر الى الكثير من الحقّ، ويشوبه من الشوائبِ الكثيرُ، حيث أننا نوقن بأن الذات ليست راجعةً الى سبب واحد (الأسرة مثلاً)، بل أسباب لا حصر لها ولا عدد، فإنّ إشكالية هذا التنظير النفسي تكمن في أحادية الذاتية التي يفرضها، فيقدّم للإنسان الفقير قولباً متجمّداً يتمكّن منه الشلل، أو شخصية متخشّبة ينتابها الملل، في حين أننا كمحلّلين نريد الإكثار من القوالب لا الإقلال منها، ونبتغي توفير الفرص والمنافذ لا الحدّ منها، والأخطر والأنكى أن نقول إن الذات الواحدة مثواها النفس، بمعنى الصميم، بمعنى الداخل الثابت. فالذات ذاتُ القولب الواحد، القابع بالداخل الموحّد، هي ذاتٌ مشلولة تميل الى اليأس والقنوط، ومغبّته العنف وتعسّف الطبيب.

وبهذا الصدد قد قال أحدهم عن أحدهم الآخر: المشكلة مش فيه، المشكلة في اللي نافخين فيه. وهذا أقرب الى الحقيقة، إلا أننا هنا لسنا أمام مشلكة، بل فرصة، ولسنا أمام خيبة، بل أمل.

وقال أحدهم: إنها مثلها مثل باتي هيرست.

لكننا ندرك جيّداً أن هذا مجرّد صورة فوتوغرافية أعجبتْنا في بعض الأحيان، ولا نجد ما يربط بين تلك الأميرة الأرسطوقراطية باتي وهذه الأميرة المحبوبة أنيتا. كانت الأولى مثالاً يُضرب للبنت الثرية المدلّعة، كانت تربطع في جنّات الثروة العائلية التي مردّها امبراطورية هيرست الصحافية الشهيرة. وبينما هي غاطّة في سبات عميق ذات ليلة ليلاء، اذ انقضّ عليها بعض أعضاء جيش التحرير التكافلي فاختطفوها. مرّت الشهور وباتي تتعرّض لأفكار المنظّمة اليسارية المسلّحة، وتحوّلت مع الأيام الى مناضلة شديدة البأس، ومحاربة قوية الإيمان، شاركت معهم في بعض عملياتهم المسلّحة من أهمّها اقتحام بعض البنوك الكبيرة وسرقة أموالها.

اندهشت جماهير التفلزيون الأمريكية، التي اعتاد الكثير منهم تلك الحياة البورجوازية الهادئة التي عرفتها باتي في الماضي. وعند القبض على باتي بعدها بعدّة شهور، انشغلت تلك الجماهير بالسؤال السائد: باتي هيرست، أمذنبة هي، أم بريئة؟

باتت هذه الأميرة الصحافية / المحاربة المسلّحة قضية تعصف بالرموز القضائية الكبرى: المحاكم، العمل الاجمتاعي والسياسي لهيئة المحلّفين، مؤسسات العدل على أنواعها، الدستور والقانون، الاستثنائية البورجوازية ومحسوبية الأغنياء، الأبحاث الآكاديمية القائلة بعقدة استوكهولم، البرامج البوليسية الشيّقة التي ينتجها التلفزيون الأمريكي، ميراث التقلّبات الاجتماعية التي شهدتها السيتينيات الأمريكية الأسطورية، مستقبل النضال اليساري العالمي الذي انحسر نشاطه في أواخر السبعينيات، معاني العفو والمسامحة والغفران، انتشار العلوم النفسية واشتهارها بين الجماهير بعد فضائح المصحّات والمستشفيات في ذلك الوقت، رواية أزهار لألجرنون، رواية طيران فوق عش الكوكو، ثم أخيراً وليس آخراً السؤال الدائم والمستمرّ: ما هي الذات، وكيف تتكوّن؟

لا أجد الكثير من المشاهبات بين باتي وأنيتا، سوى أنهما إمرأتان ظريفتان، وكلتاهم قد باتتا مثاراً لمسألة الذات وتكوّنها. لكني هنا أحبّ أن أشير الى علاقة أخرى فرضتُها بين صورة باتي هيرست والصور الصادرة عن حركة 30 فبراير، وبالأخص الصورة المعروضة هنا. الحقيقة أن التشابه الذي وجدته لا يعدو أن يكون تشابهاً سطحياً بين صورتين شمسيتين، لكني استظرفت أن يكون هناك ما هو أكثر من ذلك، فحركة 30 فبراير هي أكثر من مجرّد حملة تدوينية عبثية، بل قد تكون عملاً فنياً بارعاً يفوق أعمال باتي هيرست ذات نفسها ** ، فتزيد عليها طبقات الضحك والحقيقة والمحاكاة الساخرة، تتجاوز كل ما سبق كي تكون رصاصة وريشة وأفعى وهندباءة، خاصة هندباءة..

لكن كفانا من ذلك ولننتقل الى قول آخر.

فقال بعضهم: شو هالأنيتا.

وليس هذا سؤالاً بقدر ما هو عبارة عن التعجّب والانبهار، فقد سمعتُ بعض الألسنة وهي تتناقل هذه الجملة التعجّبية في الفترة الأخيرة، مدحاً لبعض ما قامت بها من أعمال، وبعض ما خاضتها من معارك وأشغال، فهي تخرج منتصرة مظفّرة على الدوام، حتى أخذت هذه العبارة المذكورة تُصبغ بعوارض الغيرة، والحسد، والرغبة الجنسية الدفينة. ويتهيّأ للبعض أن هذه العبارة إن دلّت على شيء فهي تدلّ على الكبت، والتهرّب، فالبعض يرون في مغامراتها الناجحة ما يشكّل تهديداً، وتوعيداً، فيخافون اهتزاز الطبقات، ويتهيّبون انهيار المعابد والمؤسسات، فيلتجئون بالتالي الى التلمّظ، والتمطّق، والغمز واللمز.. والحقيقة أن الأخت أنيتا علاقتها بالاشتراكية الثورية غير ثابتة، ومن آي ذلك ما أفادت به في رسالتها الجوية الأخيرة التي بعثتها اليّ على ظهر صورة فنية فذّة تخلط بين الرفيق الديكتاتور ماو والمغني الشعبي الشهير إلفيس، قالت أنيتا ما نصّه:

" شوف الاشتراقيون عاملين ازاي هنا في لندن "

ولقد احترت في هذه الكلمة، الاشتراقيون، فهل تعني بذلك الاستشراقيون، أم الاشتراكيون؟ إلا أني فكّرتُ في إمكانية ثالثة، هي الاشتراكي المستشرق، فقد قال ماركس:

"Sie können sich nicht vertreten, sie müssen vertreten werden"

بمعنى أن الشرقيين لا يعرفون الحكومة الصالحة، وبالتالي يجب على الغرب أن يحكمهم بدءاً من الرأسمالية مروراً بمراحلها المختلفة الى ولادة الاشتراكية منها. والأخت أنيتا لداها حق، اذ ثمة بلا شكّ بعض الاشتراكيين المستشرقين في لندن، كما أنها مدينة لا تخلو من الرأسماليين المستغربين، فلنتّقِ الله شرّ العالمين.

وقال بعضهم: كأنها الزوجة، فلقاؤهما كلقاء بخيت وعديلة، أو آل غور وتيبر غور.

وهذا قول ليس له أساس من الصحّة، فالمعروف أن آل غور قد انفصل عن زوجته تيبر، أو هي التي انفصلت عنه لا أدري، وبذلك قد انهارت مملكة كاميلوت *** وتفتّت الى الأبد ذاك الحلم الأمريكي السخيف.


ثم قلتُ لها: ما اسمك؟

فقالت: ܠܓܝܘܢ ܫܡܢ ܡܛܠ ܕܤܓܝܐܐ ܚܢܢ .

والمقصود به أن عناصر ذاتياتنا مختلفة متعددة، مضخّاتها متنوعّة القوى متناقضة الاتجاهات، تنصبّ عبر قنوات مادية كبرت أم صغرت، أجهزة تكنولوجية وسكك حديدية، تحمل مما تحمل مكائد خطابية ومصائد لغوية، تقيّد وتفتح، تشحن وتنفخ..

فما الجذور سوى قيود فُرضت، وما الأشجار سوى أصفاد ضُربت، جئتُ أنا وجاءت هي، وبما أن الاثنين منا عبارة عن عدّة أشخاص، فقد كان اجتماعنا بمثابة ازدحام هائل، واكتظاظ مائل..


---


* قوله الله، وهو من باب السخرية والتهكم لا ريب، فما هو بصدد العبادة ولا الصلاة.

** من الجدير بالذكر هنا أن باتي هيرست وبعد أن نجت من حياة السجن قد أصبحت رمزاً من رموز الكامب، ومثالاً على ذلك الأدوار التمثيلية التي أدّاها في بعض أفلام جون واترز الشهيرة.

*** قوله كاميلوت، وهو من باب السخرية والتهكّم، فهذا اسم كان يُطلق على العلاقة الحميمة بين الرئيس جون كينيدي وزوجته، اللذين بنيا أسرة رومنطيقية قوية استحوذت على خيال الشعب الأمريكي في فترة الستينيات. فما أبعد هذين الزوجين عن آل وتيبر، اللذين عُرفا ببساطتهما المثيرة للشفقة والاستهزاء في معظم الأحيان.

02 يوليو 2010

جزمتين


دعوة

هذا الكتاب يجب أن يُحرق.

أدعو الجميع الى التجمّع يوم الجمعة القادم أمام عمارة رقم 2 حيث سنقوم برمي هذا الكتاب في كتلة متوهّجة من النار الأبيض، سأتكلّف أنا شخصياً بإعداد الحطب الذي أجلبه من أدغال الأمازون المستباحة.



تفاصيل الصنع

الأعمال الفنية الواردة في هذه الرواية سرقتها من جهات مختلفة، أذكرها هنا على سبيل الفضح والفشخ:

صورة الغلاف - كوكو بابي (هنا)

صورة الأسد يمكن مواجتها هنا

وصورة البقرة

أما سورة البقرة

والصورة المكتوب عليها "خلي عنك الشنطة يا لؤلؤ" ملتقطة من الفيلم الأسطورة "بليد رونر"

أما بقية الصور فمن إبداع المؤلّف بمساعدة برنامج فوتوشوب الآدوبي