29 أكتوبر 2010

هندسة الحال

هندسة الحال

كأنما يهدّدني الآن: أتظنّ أنك ستتخلّص من هذه القراءات، دون أن يزعجك شيء؟

فكان أن قاطعت تفكيري خبطة على الباب، فتحته، وولج الى شقتي.

ثم دخلنا المطبخ وجعلنا نتضاجع مضاجعة الحيوانات السعرانة. وأقول لك، بل أشهد لك، أن هذه المضاجعة قد تمت على أكمل وجه، حيث أننا أفرزنا كافة الوسائل المطلوبة منا، وأفرغنا في بعضنا البعض الشيء الكثير من المنى، والبول، والكلام العسل. آمين.

رفعني من تحت مؤخرتي فوضعني فوق الحوض وقال: حان وقت المص والماء.

وما هو وقت المص والماء، لا أعرف. لكني اخترعته في الحين. قرف وفساد وحق ونور: كله محصل بعضه.

وضع على رسغه حزازة خضراء، قال: هذا بسبب ثورتنا الخضراء.

ولجنا كلّنا الى البار-المقهى، الذي قد تحوّل الى مسرح، وجلست الى جانب صديقي العزيز باء. ثم فتح بلغمه وقال: هذا ليس ببلغم، لأن البلغم لا ينفتح، إنما يُطرد، وهو الأصح.

أستغفر الله العظيم، أستغفر الله العظيم.

يتذكر سبارتك وهو يقول ذلك، فتعلق بها - أي بالعبارة - التلاميذ التانيين.هذا شيء للذكرى لا، بل للخلود. فتح الحقيبة واذ فيها شيء من فرق البن. أي حبات البن متناثرة هنا وهناك، كيفما اتفق.

25 أكتوبر 2010

من ألماس أبي نواس الى أزهار أبي نينار

من ألماس أبي نواس الى أزهار أبي نينار

هذا الإغراءُ، هذا الشهدُ الخاص، هذا الداءُ والدواء.. كُنْتُ قَدْ وَدَّعْتُ الحُبُولَ وأَخَواتِها مُنْذُ زَمَنٍ بَعِيد، فأودعتُها في مخازنَ خشبيّةٍ محكمةِ الإغلاق، تنأى عن شقّتي بأميال وأميال، حتى نُسي أمرُها.. هذه المدوّنة لا تتخصّص في الحبول، لكن هنا بعض الحبول لا ريب.

اعتليتُ هذه الصخرةَ المَلْساء، وفَلَقْتُها نِصْفَيْنِ فانْبثق منها سائلٌ ذهبيُّ الرائحة، قرطبيّ اللون، تبقّعَ بِهِ قميصي وتبلّل، قيل إِنَّهُ دم الزنزلخت، أو عصارة القرنين المطحونين، ثم وقب بعض الغاسقين، تلألأوا رافعين أجنحتهم المبرقشة الشمطاء، طاروا وحلّقوا وتدحرجوا، وسرعان ما خمد ضوؤهم وانطفأ..

من أسعد طوايا عقد حبولنا بحبول أبي نينار

قال في أمر القرآن: ليس للنساء مكانٌ في الجنّة، وَحْدَهُنَّ الحوريّات هنّ المذكورات في الكتاب.

فأضفتُ ببلاهةٍ: والولدان المخلّدون أيضاً!

فصمت.

قال في أمر نهاية السهرة: يلا نمشي.

فقلت: سمّعنا قصيدة قبل ما تمشوا. وقلت: دَعْ عَنْكَ لَوْمي فَإِنَّ اللَوْمَ إِغْراءُ

قال: وَداوِني بالَّتي كانَتْ هِيَ الدّاءُ..

قال في أمر حيدر: أنت جاهل يا حيدر.

قال في أهل باريس: إنّهم أجهل بكثير من أهل بيروت.

قال في أمر الأسماء: بلبل؟ بنبل؟ آه.. بنبن.

قال في أمر أنيتا: بالتقدير والإعجاب.

***

الدفء والسكّر والحضن والاقتراب، ولا أدري، كيف ستكون الأمور بعد ثلاثين سنة، لكني واثق أني في هذا الشهد الخاص قد تذوّقت تجربة تولّد التجارب.. يا سيّداتي وسادتي، إنّ لي موعداً مع الكاهنات، إن لي قلباً ينبض في بعض الأحيان..

وهنا قلنسوّتي : لكم حفنة من العشق وبعض الحبول


17 أكتوبر 2010

أنا وثباتيرو

أنا وثباتيرو

لقد كثرت الإشاعات بحيث لم أعد أستحمل..

تناهي الى مسامعي بعض مما يتمخّض عن مصانع الثرثرة وأوكار الضغائن والحزازات.. ومنازل الأقزام والهوامّ الصغيرة، الضئيلة الحجم، بحيث لا تراها.. جُلت بأزقّة المدينة وشوارعها، فتردّدت على تلك الزوايا البعيدة عن الأنظار، والمراكز النائية عن الأبصار، لم أبصر، ولم أحسّ، لكن.. ترامت الى آذاني زوبعة من الكلام البذيء، والألفاظ الشنعاء، والمضاربات الغالية في سوق اللغات والإشارات.. كلّها، أو قل معظمها، تتركّز حول سؤال دائم وملح:

ما علاقتي بخوسيه لويس رودريجيث ثباتيرو؟

وقد توسّعت دائرة التخمينات والتساؤلات لتشمل أسئلة أكبر من النوع: وما علاقتك بالاشتراكية؟ وماذا تقصد بقولك المراكز النائية؟ وما صوت الفراشة في موسم الجماع؟ .. لن نجيب على مثل هذه الأسئلة اليوم، للأسف الشديد.

قد يظنّه البعض مزحة مني، هذه العلاقة الوطيدة التي كثيراً ما ألمح اليها عن طريق الغمز واللمز، لكن دون أن أبوح بكامل تفاصيلها المخبوءة، وأسرارها الكامنة التي لا حصر لها ولا عدد.. لكني اليوم ولحسن الحظ قد راق بالي، ومال عطفي، فدفعتُ الكفّة نحو الصراحة بمقدار ملحوظ، محسوس به. ولذا فقد رسى يقيني على ضرورة الكشف، كما انعقد عزمي على أهمية الفضح والفشخ، وإن كان فضحاً صغيراً، وفشخاً ضيّقاً قصيراً، هو عبارة عن شقّ رفيع في الظلمة، أو شرخ رقيق في العتمة، لا يسمح إلا ببصيص خافت من الحقّ، ينير عقولنا الدعجاء..

فأقول إن السبب وراء ذلك ليرجع بلا شكّ الى الفرحة العارمة التي اجتاحتنا عام ألفين وأربعة الميلادي، اذ شاهدنا السيّد ثباتيرو وهو يكيل للسيّد بوش عدّة علقات سخنة، هذا في الوقت الذي كنّا استسلمنا فيه، وساورنا نحن التقدّميين الكثير من اليأس والقنوط والانهزام، لكن ها هو السنيور ثباتيرو يبعث في قلوبنا البهجة، فيسحب جنوده من العراق، ثم يبيح الزواج بين أبناء الجنس الواحد، ثم يعيّن إمرأة حامل وزيرةً للدفاع، ثم وثم وثم... ولعلّ أروع ما حقّقه في تلك الفترة: تصرّفه بهدوء، وتحلّيه بالذوق والتلقائية، وفوق هذه كلّه: ارتداؤه أشيك الملابس وأظرفها، بحيث قال بعضهم:

- إنها وزارة شانيل وبرادا.

وقالوا أيضاً: ها هو قد أعاد اختراع الاشتراكية، والكفاح الطيّب، للقرن الحادي والعشرين.

ومن آي ذلك ما انتشر آنذاك من دالّات عائمة، ورموز متدحرجة، تطايرت ثم احتكّت ببعضها البعض على سطوح العرض العامّة، المنفتحة على الملأ:

المربّعان الحمراوان، نُقشا بدرجة عالية من الدقّة والتصميم، يبثّان حالة جديدة من الأمل الممزوج بالانضباط، والعمل المخلوط ببوادر التهلّل والتقدّم والاندفاع.. زهرة القرنفل، في قبضة الثائر المنتمي، المنضمّ.

اللهمّ فاشهدوا. لكن.. لسنا هنا بصدد نقد لاذع - أو غير لاذع - لما يسمّى بالدعاية السياسية المشبوهة، كما أننا لسنا بغرض المدح ونحوه، فهذه مهمّة نتركها للمتحذلقين، والملتزمين، ومعودمي الدم من العالَمين.. اللهمّ فاشهدوا!

ذلك أن الأرض ليست متساوية الأطراف، ومثلها السماء يعتكرها الكثير من اللخبطة والشوشرة والضجّة والضوضاء.. والتوتّر.. ونتيجة لذلك، فما ان تدخل صورة من الصور الى هذا الجو حتى تعدل عن مسيرها المقصود، وتنحرف عن هدفها المعووج، فتلتطم بما سبقها من المنتوجات، وتختبط بما لحقها من الشواهد والمسبوكات.. ليس معنى هذا أن الصورة تفشل، بل هي تتحوّل، ويصار تلقّيها الى خلاف ما رُمي..

فقلت في نفسي: هل أني أحبّ الرئيس، أم أني أحبّ الطيران السويسري؟ والحق أنني لم أركب قط الطيران السويسري، سواء قبل انتخاب ثباتيرو أو بعده، لكني وبمحض الصدفة حدث أن شاهدت برنامجاً وثائقياً عن الفنّان الكندي المبدع تايلر بروليه، هذا المغامر الصعلوك الذي تكبّد شظية حادّة في جانب من مصرانه إثر انفجار سيّارته في أفغانستان. قُتل السائق على ما أذكر، لكن السيّد بروليه نفد بجلده فنجا بحياته ليتولّى بعد ذلك عدّة مشاريع فنية كبيرة، منها إعادة تصميم شركة سويسرا للطيران، قال:

- هذه الطائرة الجديدة، ستخلو تماماً من علامات الزينة وآثار الريشة، ليبرز بذلك هيكل المكوك بكامل تفاصيله الميكانيكية، زجاج ومعدن وحبول ومسامير، فالزبون يرتاح الى هذه الصفة الميكانيكية العارية، البحتة..

فجاء هذان المربّعان الحمراوان الأثر الوحيد لتدخّل الفنّان، وكأنهما طابع بريدي جاء ليختم المظروف الجوي. والحق أن السيّد بروليه رجل ظريف، لطيف المعشر، أتمنّى أن أقابله في يوم من الأيام اذا ما سمحت الظروف.

ولا يخفى عن القرّاء أن الرفيق ثباتيرو ليس الوحيد الذي اُستقرئ شعاره على هذا النحو، فالسيّد باراك حسين أوباما - وهو بمثابة ثباتيرو الأمريكاني - تعرّض أيضاً لمثل هذا الاستقراء. (طبعاً السيد أوباما لم يسحب جنوده من العراق، ولم يحلل الزواج بين أبناء الجنس الواحد، ولم يعيّن إمرأة حامل وزيرةً للدفاع: لكنه أقنعنا بأنه فعل كل هذه الأشياء وأكثر، لذا وصفناه بثباتيرو الأمريكاني). وهذه معلومة قديمة جدا في الحقيقة، أيْ أن شعار أوباما يشبه شعار بيبسي:

فيقال اذن أن أوباما مثل بيبسي، لأنه رأسمالي استهلاكي نعم، إلا أنه بخلاف الكوكاكولا لم يقتل بعد عدداً كبيراً من العمال والفلاحين في جواتيملا. معلومة قديمة بسيطة وفهمناها. الحقيقة أن مثل هذه الاستقراءات لها تاريخ طويل في المجتمع الأمريكي، حيث درجت بعض المجموعات الدينية المتطرّفة على تفسير شعارات الشركات الكبرى على أنها رموز للشيطان، وقيل: لأن هذه المجموعات لا سلطة لها، فتروّج للإشاعات الشيطانية كي يكتسبوا بعض السلطة التحليلية، الخ.

من اسبانيا وحزب بسوي، مروراً بأمريكا وبيبسي، الى مصر والأخ محمد البرادعي، الذي لم ينجُ هو الآخر من سوق الصور والأصوات، حيث يمكن لكلّ شيء أن يحدث، وأن لا يحدث أيضاً..

هذا الكليب، ثم هذا الكليب من 1:40

تتلاقى الأشياء، ثم تتباعد، وقد تتلاقى مرّة أخرى، أو لا تتلاقى، ولا يرى الغيب إلا الله آمين!