24 فبراير 2010

غرضه الهجاء: الخطوة الثانية

غرضه الهجاء: الخطوة الثانية

هناك بركة حمراء صغيرة تتجلّى في المساحة الضيّقة ما بين وجهي والصخرة، هذه البركة الحمراء تأخذ في التوسّع، تميل الى الصهباء، أظلّ أستنشق رائحتها اللزجة، أتنفس، أتنفّس مرّة أخرى: تنفيسة قوية تجعل فقاعات سرعان ما تنفقئ، مفرزةً مادّة متخثّرة داخل منخاريّ.

عنقي يتقطّر دماً.

أتقيأ المزيد من الدم، قبل أن أفيق الى صوابي وأحاول استرجاع ما حدث لي. بينما موجات العروس تنهال بلطف على بنطالي، وهو الأمر الذي ينبّهني الى وضعي الحالي:

نصفي الأعلى مضطجع على صخرة خرسانة ضخمة، في حين أن رجليّ تتدلّى في الفراغ، متعرّضتين الى البحر والبلل. أمّا قدميّ فبهما ألم شديد.

عندها، عندها فقط، صحوتُ الى الطامة الكبرى: أين حذائي؟

اصطكّت أصابع قدميّ من البرد، أشفقتُ في الحال على عريها التامّ. وعرفتُ السبب. أتخيّل الآن كلباً صغيراً يتبختر بزهوّ وكبرياء، مرفوع الرأس، وعلى حافريه الأماميين فردة حذاء ماركة بيركنشتوك. أمّا جيده فعليه تلك السلسلة الذهبية الساطعة!

يا له من مهزلة. لقد لحقتني البهدلة على يد هذا الحيوان الشقي، الذي يتألّف اسمه من تركيبة رباعية مملة:

لام واو لام واو

ألا إنه حادث مستفزّ! لكن... يجب التصرّف بالعقل، وبالهدوء، عسى أن نجترّ تفاصيل الانتقام بوضوح، وصفاء بال. السيّدة نادية وكلبها الصغير يضحكان الآن لا شكّ، يعربدان بصخب وعنف في احدى الملاهي المخبّأة عند أعالي عمارات لوران، يستعرضان غنائمهما بكل تفاهة وازدراء. لكن لا يهمّ: مجرّد قشرة موز، أو بركة ماء عند أعلى السلّم، لتقضي عليهما.

هناك طائر بنفسجي اللون يرفرف في الأفق، يقترب بسرعة هائلة. كتلة بنفسجية من الريش المنفوش، المبتلّ. يقترب أكثر فأكثر. لأ. بل إنه الدم بدأ يتسرّب الى مقلتيّ، متشعّباً بشيء من البطء. يجب أن أنهض.

أما من شاهد عيان؟

- "بلى."

قاله ضابط الشرطة، مشيراً بسبّابته الطويلة الى دفتر مفعم بالأوراق، وهو لا بدّ يحتوي على محضر أو شيء من هذا القبيل.

- "لحسن حظك، لقد تم ارتكاب جريمة السرقة في عزّ النهار، وبما أنك كنت واقفاً عند تلك النقطة من الكورنيش، في ذلك الوقت من النهار، فبالطبع كان هناك مئة نفر على الأقل شاهدوا ما حدث لك. ماتخافش يابني. كل شيء على ما يرام. السيّدة نادية أمرها معروف، خبرها مفضوح، والتحقيقات جارية الآن مع المواطن المدعوّ وائل لاظوغلي..."

- "وائل..."

-" لاظوغلي. نعم. اسم غريب لإنسان غريب، لا أظنّك سمعت عنه قبل كده."

عندئذ أطلق الضابط كحّة واهنة، أعقبها بضحكة مريبة اهتزّت لها أطراف شفتيه. تحرّك شيء ما بداخلي، كأنما غدّة لزجة انزلقت الى ما بين ضلعتين، أو مادّة هلاميّة تكلّست ما بين درفتيْ شبّاك. تك، قب. هبطت فراشة زاهية الألوان على قدمي الحافية، دغدغت أعصابي كأنما تقول: انفد بجلدك!

وأقول بكل صراحة، أنني لست من ذلك النوع من الرجال الذين ينصاعون في العادة الى أوامر فراشة قد كده، مهما تنوّعت ألوانها وتألّقت. لكن هذه الحشرة معها حقّ.

يا عاقد حاجبيه، يا من اشتدّ به اللبس والارتباك:

[نواصل فيما بعد!]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق