18 سبتمبر 2010

عدلي مات .. يعيش عدلي


عدلي مات .. يعيش عدلي


لم تسنح لي فرصة لقاء الفنان الكبير عدلي رزق الله، كما أني أشك في أنه سنحت له هو فرصة لقائي أنا – سواء من خلال هذه المدوّنة المتواضعة أو غيرها من ساحات اللقاء الإنساني الملفوفة بالغموض والهرطقة والانحراف، إلا أنه – أي الأستاذ عدلي – من تلك الأخلاط المتماوجة بداخلي، المؤثّرة بطريقة أو بأخرى في مسيرتي الدنيوية وغير الدنيوية على مرّ السنين، فبينها الصفراء والسوداء والحمراء ونحوها، أما الأستاذ عدلي فمن الأخلاط الزرقاء لا ريب .. عشت يا عدلي، وعاش الفنّ.


لا يزال عندي الكثير مما أودّ قوله عن هذا المخلوق الإسكندراني الفريد، والذي شاءت الظروف أن تحطّني محطّة الشاهد المتأمل أمام بعض من لوحاته، فساهمت في تشكّلي الذاتي المتحوّل المتخمول على الدوام، نظراً لبعض المواقف التي ركّبتني فيها، والإطارات التي أطّرتني بداخلها، إضافة الى الألوان المائية التي مرمغتني أنا وجسدي في انصبابها وانبثاقها..

لعلّنا لا نخطئ اذن في تأمّل بعض اللوحات ذات الطابع السحاقي:



لا غريب طبعاً في رسم لوحات فواحشية من هذا النوع، فالمعروف أن مضاجعة النساء لبعضهنّ البعض لهي جزء لا يتجزّأ من الفانتازيا الذكورية العالمية، هذا ما تعلّمناه من الشيخ النفزاوي في كتابه الروض العاطر في نزهة الخاطر اذ قال:


فبينما هو كذلك إذ دَخَلْنَ وأَغلقن الباب وهنّ مُمْتَلِئَاتٌ خمراً، ثم نزعن ما كان عليهنّ من الثياب وجعلن ينكحن بعضهنّ بعضاً، فقال المالك: صدق عمر في قوله: دار الخنا معدن الزنا

(ص 54)


ثم ذكر في مكان آخر رجلاً يحدّث رجلاً آخر عن إمرأة ذات عدد من الصفات المحمودة في جنسها:


قال: يا أخي لا شكّ أن هذا قصر الخلاعة عندهنّ، يدخلن له من الليل الى الليل. وهو مراح خلوة وأكل وشرب وخلاعة. فإن

حدّثتك نفسك أنك تصل اليها من غير هذا المكان فأنت لا تقدر على ذلك. وإن أرسلت لها لا تقدر على شيء.

قال: ولم؟

قال: لأنها مولّعة بحب البنات، فلذلك لم تلتفت الى ذكر ولا لصحبته.

(ص 180)


ولِمَ لا، فلا شك أن الأستاذ عدلي رزق الله كان رجلاً مهتاجاً – أي مُثاراً جنسياً – ومن حقّه أن يمارس هذا الهيجان مهما كلّفه من سوائل مائية وغير مائية..


ونعود بالذاكرة الى زيارة جمعت بيني وبين احدى لوحات عدلي، عنوانها إمرأة عارية أو شيء من هذا القبيل، أشبه ما تكون الى تلك الرموز المربّعة المدوّرة المعروفة عند المايا، تحتوي على سيقان وأبدان وكوارع ملتوية في بعضها البعض.. هذه

اللوحة شاهدتها في متحف الفن المصري الحديث، كنت حضرتُ برفقة فاء الذي دعاه عشيقه السفير خاء لمشاهدة فلم مكسيكي مستقل في دار الأوبرا. خرجنا من المتحف وجلسنا برهة وجيزة في تلك الكافتيريا هناك حيث طلبتُ أم علي اذ كنت أتكبّد آلام الجوع الشديد، الداعية الى جرعة أو جرعتين من اليمك. ما إن جلست الى جانب فاء وأم علي حتى وصل خاء بصحبة إمرأة إيطالية متأنّقة فسلّما علينا، مما جعلني في حيرة من أمري، فوضعني بين نارين، أو بين المطرقة والسندان كما يقال: فهل ألتهم الأم علي كي أسترجع ما ضاع من تركيزي وصفاء بالي، وأتحوّل بذلك الى ولد جائع نهم في نظرهما .. أم أترك الأم علي، وأضيع التركيز وصفاء البال، لكن أحافظ على شيء من الأدب والذوق ولو الى حين؟


اعتذرت لهم وأنا أغمس الملعقة في الأم علي ثم في فمي، تركتُ الأدب جانباً وانخرطت في شغل البلع والبلبع والهضم والاستيعاب.


دخلنا السينما بعد ذلك بعدّة دقائق، وسرعان ما فهمت اللعبة، فهذه الإمرأة الإيطالية عليّ أن أمثّل دور ابنها، وعليها هي ان تمثّل دور الأمّ.. أما السفير خاء فعليه دور الأب، بينما فاء وهو الأسمراني الوحيد في الحكاية يجب أن يمثّل دور الصديق المصري الودود، المرافق للإبن، اللي هو أنا. هكذا نتحوّل الى أسرة متكاملة، غير لافتة للنظر.


دخل العشيقان الى الحمّام فور انتهاء الفيلم، فوقفت أنا والإمرأة الإيطالية المتأنزحة نحملق في بعضنا الآخر. قالت بلكنة بريطانية لا تشوبها شائبة:


- حلو الفلم، إخراج مستقلّ وممثلين شطار، مش زي إفلام هوليوود.. [ثم كالمستركة] .. أنا آسفة، انت أمريكاني صحيح..


لم أفهم الشتيمة، هذا إن كانت شتيمة أصلاً، لعلّها تنتقم من انغماسي في الأم علي، أو أنّها فطنت الى ما لم يخطر على أحد ببال، فعرفتْ بشيء من الحدس أنني كنت قبل ذلك بعدة ساعات أبحلق مشدوهاً في دوّامة متوفّزة من الألوان المائية، المنسالة برفق وإبداع من ريشة الفنّان العظيم، المفقود، عدلي رزق الله..


هناك 3 تعليقات:

  1. غير معرف11:05 ص

    مصــــر فى مهب الريح

    فى خلال الثلاثين عاما الماضية تعرضت مصر الى حملة منظمة لنشر ثقافة الهزيمة بين المصريين, فظهرت أمراض اجتماعية خطيرة عانى ومازال يعانى منها خمسة وتسعون بالمئة من هذا الشعب الكادح . فلقد تحولت مصر تدريجيا الى مجتمع الخمسة بالمئه وعدنا بخطى ثابته الى عصر ماقبل الثورة .. بل أسوء بكثير من مرحلة الاقطاع.

    1- الانفجار السكانى .. وكيف أنها خدعة فيقولون أننا نتكاثر ولايوجد حل وأنها مشكلة مستعصية عن الحل.
    2- مشكلة الدخل القومى .. وكيف يسرقونه ويدعون أن هناك عجزا ولاأمل من خروجنا من مشكلة الديون .
    3- مشكلة تعمير مصر والتى يعيش سكانها على 4% من مساحتها.
    4 - العدالة الاجتماعية .. وأطفال الشوارع والذين يملكون كل شىء .
    5 - ضرورة الاتحاد مع السودان لتوفير الغذاء وحماية الأمن القومى المصرى.
    6 - رئيس مصر القادم .. شروطه ومواصفاته حتى ترجع مصر الى عهدها السابق كدولة لها وزن اقليمى عربيا وافريقيا.

    أرجو من كل من يقراء هذا أن يزور مقالات ثقافة الهزيمة بالرابط التالى www.ouregypt.us

    ردحذف