23 أبريل 2010

غرضه الهجاء: الخطوة السادسة

غرضه الهجاء: الخطوة السادسة

لقد ابتكر علماء الهندسة أشكال كثيرة وجميلة، منها الدائرة والمربّع والمستطيل والمثلّث. لكني اكتشفت شكلاً جديداً في الآونة الأخيرة، يسمّونها "الحلقة المفرغة". وهي شكل من إبداع السيدة نادية ذاتها.

هذا ما لم يخطر على أحد ببال. أن أحبس نفسي في الغرفة الصغيرة، أن أغلق عليّ كل الأبواب والشبابيك: صدّاً لوصول تلك الظروف الحمراء، المحتوية على كوابيس السيدة نادية.

لكنها لم تتوقف. بل تمادت في التسرّب اليّ، وتفانت في التجلّي أمام عينيّ، من خلال طرق أبسط ما نقول عنها إنها سحرية.

رنّ الهاتف، فصرخت:

-مين؟

-... [صمت]

- أنا عارفك يا كسمّك يا بنت الوسخة!

-... [تَكْ قُبْ تَكْ قُبْ تَكْ قُبْ]

سال رضاب قليل من فمي.. لم أكن قد استحممت منذ أربعة أسابيع. طال شعري، واخشوشنت أناملي. أمّا ذلك الحكاك فلا أعرف له سبباً.

بصيص جريء من النور يتسلّل الى مخدعي، يمرق فينسكب على الأرض، نافثاً في طريقه ذرّات الغبار والنشارة، يهدّد باقتلاع الخشب والبلاط. هذا البصيص من النور - لكثرة ظهوره وقيمة بذوره - سمّيته "لؤلؤ" بضمّ اللامين. مع مرور الأيام، توطّدت العلاقات بيني وبين "لؤلؤ"، هذا الزائر المقتحم الذي اعتاد أن يلج الى داري من غير احم ولا دستور. هالة من النور الخالص، تحبس الأنفاس.

- استريّح يا لؤلؤ. بيتي بيتك.

- خلّي عنك الشنطة يا لؤلؤ.

- يا لؤلؤ انت فين يا راجل، مش باين ليه؟

كل هذا كان يدور بيني وبينه من كلام، إفاضات طويلة وإطالات فويضة، استرسلتْ واستمدّتْ فأغدقتْ على أيام المعزل شيئاً من الونس والألفة والاعتراف. الاعتراف بالآخر. هاي هيا!

قلت إنه بصيص جريء. فهو جرؤ على أن يقول لي: يا أخي، أنت تحتاج الى ذلك الصابون الحكومي الأسود، اللي بنصّ جنيه. ثم استدرك قائلاً: بل الصابون البنفسجي، اللي نازل الأسواق بخصوص رمضان.

هل يجرؤ أحد على أن ينبّهك الى تلك الرائحة الصاعدة من جثّتك الهامدة؟ أنت جثة حيوان نافق، قد سرى فيها العفن والفساد. أنت طريح السرير منذ ما يناهز الشهرين، وما من زائر سوى بصيص خاطف من النور، يُلفت نظرك الى سوء حالك، وتدهور أشغالك، فما من كائن حيّ يهتمّ بشكلك ولا ببالك! سوى هذا الملقّب "لؤلؤ".

لام واو لام واو.

الحقيقة أنني آويت الى هذا المعزل فراراً من كثرة الرموز والإشارات، التي يبزّها العالم الخارجي. فررت من الشيء الذي يذكر بالشيء، كما أني هربت من البتاع للي هو البتاع. النجوم والشهب والعمارات والأسماء: هربت منها كلّها. الرسائل والأحلام وتحليل معانيها: هربت منها أيضاً. ما هي إلا خزعبلات، طراطيش كلام، لُطّخت بها حيطاني وغرف دماغي. واستمسكتُ بالسطح، لا أكثر ولا أقل.


[نواصل فيما بعد!]

19 أبريل 2010

أصلي العربي وفصلي الوطني: وثيقة تبدّد الشكوك

أصلي العربي وفصلي الوطني: وثيقة تبدّد الشكوك

نعم. فلقد راود البعض منكم الشكّ، ولقد ساور العديد منكم الريب، فحام الغموض وحلّق حول حقيقة أصلي، وهوية فصلي، وعلى هذا كانت أصالتي فريسة الإشاعات، كما كانت عراقتي ضحية الأراجيف والهجومات: وأنا في ذلك شبيه بالرئيس الأمريكي الأصيل باراك حسين أوباما.

لكني لحسن الحظّ، وصدفة المعرفة، قد وقع بصري على وثيقة حسبي، وحقيقة نسبي، وذلك في مخطوط أثري عتيق بعنوان هزّ القحوف في شرح قصيدة أبي شادوف للعلّامة الشيخ يوسف الشربيني:







ومن هنا تنقشع غيوم الارتباك، وتزول الشوائب والعوائب والالتباس، فليس ذلك بخطأ مطبعي، ولا غلط مكتبي، بل كلمة واضحة وضوح الضمّة على الباء، والسكون على النون.

وحسبي الله ونعم الوكيل.

17 أبريل 2010

بلاغات الأخت أنيطا من حواري بيروت وأزاريطة وبعض ما جمعت من أخبار الأراضي المحيطة

بلاغات الأخت أنيطا من حواري بيروت وأزاريطة وبعض ما جمعت من أخبار الأراضي المحيطة


مقهى مجهولة على مرمى حجر من فندق لو بريستول، لا المنظر معاد ولا النغمة مكرّرة.

"انتي بتقلي إن شاء الله كتير"

"يعني، ممكن علشان أنا واخدة على طريقة كلام المصريين"

"أنا كتير خايف من هالكلمة، أنا مصوّر الله، ماسك البندقية!"

واذا بالأديب الموقّر، الروائي الرزين،الرجل العفيف المعروف برشيد الضعيف: يقوم مبرزاً بندقية خيالية لا يراها سواه، ويروح يطلق النار على جميع الحاضرين. رجالاً ونساءً وأطفال.

فخرجت الأخت أنيتا، أخذت ذيلها في سنانها وطارت كما يقال، إلا أنها قد احتفظت برصاصة فضية خرجت بها من الموقف، علّها تحمي نفسها من براثن الوحوش الرابضة، ومخالب المسوخ القابضة، منها الغول والقطرب والرخّ والعدار.