05 مايو 2010

غرضه الهجاء: الخطوة السابعة، وهي الانطلاق

غرضه الهجاء: الخطوة السابعة، وهي الانطلاق

لكن حان الوقت، بعد مرور ما يقارب الشهرين ، أن أخرج من ذاك الكهف المعفّن، فأجرّب حظّي في مراتع البشر المعتادة، المحفوفة بالأخطار والألغام..

نهضت بصعوبة بالغة كأنما قاطرة بكامل عرباتها قد مرّت على صدري، فتهشمّتْ عظامي و تفعّصتْ بضعة أعضاء من الجهاز الهضمي، المثخن بالجراح والآلام. نهضت وأنا أرى تلك القاطرة ضاربة في الابتعاد، تتلألأ أضواؤها الغازية بوهن وخفوت، في الأفق. أما السبنسة فتتباطأ قليلاً، وكأنّها غير مربوطة بسائر العربات المتسلسلة. هي عربة عنيدة تحرن وتثور.. أكاد أجزم أنها تحمل ذلك الكلب العظيم، الحيوان المدردح، سارق حذائي ودمي.

جُلت ببصري في أطراف الغرفة: أكوام متناثرة من الظروف الحمراء المفتوحة، تتراكم حولها قصاصات رفيعة من الورق الأسود. شبشب مهترئ يتصارع عليه الإهمال والنسيان، يرقد هناك. زجاجات نبيذ مرصوصة بعناية مريبة تحت الشبابيك، بعضها فارغة وبعضها نصف فارغة. ثعبان أزرق يبتسم بمكر، يلتفّ جسده حول فناجين القهوة الخمس، المبتسمة هي الأخرى.

هناك شيئاً ما، يبدو غريباً، لا يليق بالمشهد . إلا أنني لم أعد أهتم.

المهم هو حذائي.

لملمتُ في الحال أعضائي المبعثرة على الأرض: هذه الكمثرى الخضراء هي مرارتي، وهذه المعكرونة اللزقة هي حفنة من مخّي. أمّا ذلك السمك المنتفخ، فلا شكّ أنه طرف يسير من كبدي. مثل هذه الفواكه ضرورية لحياة الإنسان، يعتمد عليها المرؤ اذا ما رغب في مسيرة طبيعية في الأزقّة الطرقات.

بلعتها بسرعة كي تعود كل واحدة الى محلّها، عسى أن تكتمل طاقتي الجسدية في أسرع وقت ممكن: فإنّه أمامي الآن

ملحمة أسطورية،

ورحلة فسفورية،

أجازف فيها بحياتي كلها.

أيها القوم: إنّي سأتكبّد تصاريف الدهر، وأتحمّل الشقاء والقهر. كلّ هذا - أيها القوم - في سبيل المعرفة والحق والنور والغذاء، وإذا كسبتُ - الى جانب تلك الأغراض - شيئاً من المجد فلا ضير في ذلك. هذه هي مهمّتي المحتومة لا شك فيها، هي قسمتي ونصيبي لا فرار منها،

اللهمّ فاشهدوا :

أفخاخ منصوبة في الطريق، تتجمع الغيوم حول كهوف الجنّ والعفاريت، رعد وبرق وشتاء في الجبال، حفيف خطير يتصاعد من أوكار تمليت وجبليت: الأوّل على صورة الأسد والنسر، والثاني على صورة الذئب والخرتيت.

فلأشهر سيفي البتّار، ولأجهّز الفيسبة بالحجارة والشرارة والنار.

أقوم وأصيح: فداك أيها الحذاء المفقود! حلفت إني لأنتشلنّك من براهن الغدر والإجرام، ولأرجعنّك الى أيام الرجولة والفحولة والإكرام. حذار أيها الخونة والخائبين: إني الى قوم سواكم لأميل!


[نواصل فيما بعد!]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق