31 مايو 2010

غرضه الهجاء: الخطوة التاسعة

غرضه الهجاء: الخطوة التاسعة

قام عم سحتوت مطرقعاً إصبعيه وهو يستهلّ حديثه المطوّل:

وحّد الله. ولا يحلى الكلام إلا بذكر النبي عليه الصلاة والسلام. كان فيه واحد ملوش تاني، قال يضرب العشرة عشان يجيب حتّة عيّل، أصل الراجل دا ما كانش متجوّز حاكم أيامها الستات لسه ما اتخلقوش.. المهم، جاب ولد سمّاه جو بالجيم غير المعطّش،وبعدين جاب بنت فسمّاها شيكة. وتعاقبت الأيام ومرّت السنين، فنتأ للبنت نهدان ممتلئان وطال شعرها، أمّا الولد فأطلق قضيبه واكتمل جسده. فما كان من الرجل إلا وجوّزهما على سنّة الله ورسوله، علشان مايبقوش عايشين في الحرام والبتاع. وذات ليل معتكر وهم يتسامرون يعربدون، إذْ تسلّل الى مجلسهم بورص قال لهم: أيها المؤمنين. أيها الأصدقاء. أنا عندي في الشنطة كمترى أحبّ أتخلّص منه. أرجوكم خذوا هذا الكمترى وكلوا منه وأكون أنا من الشاكرين. فما كان من الرجل الوالد إلا أن ضحك ضحكة رنّانة استخفافاً بالبورص وبشأنه، ففعصه بجزمته ثم شواه عالنار وشارك الجميع في أكل البورص المنحوس. خلاصة القول إن الولد والبنت لمّا مات الوالد بعد ذلك بعدّة سنين قالوا: فلننشئ أمّة عظيمة، وتكون أساسها هذه المدينة. وهكذا تأسست مدينتا الفاضلة، شيكة - جو أيْ شيكاجو كما نعرفها اليوم. وهي بمثابة الجنة لكن مش هتلاقوا فيها ولا بورص ولا كمترى، ودا العيب الوحيد فيها. أمّا حكاية البصل والمستنقع والهنود الحمر فلا تصدّقها فما هي سوى ضرب من التزوير والبهتان..

[وهنا قام عم سحتوت مرّة أخرى رافعاً البرنيطة عن رأسه، وكأنه سيستخرج منها أرنباً أو عصفوراً أو نحو ذلك، إلا أنه لم يكن ثمّة شيئاً ، فابتسم بمكر واستطرد قائلاً:]

لكن كلّ هذا على سبيل التقديم، ثمّ أنت سألتني عن السيّدة نادية تلك فاعرف أيها الأخ أن هذه الولية لها قصّة شرحها يطول..

[وقفت مشدوهاً وأنا أرى عم سحتوت متنطّطاً حول عربته بلباقة بهلوان محترف، وهو يحكي لي ما يلي:]

بلغني أيها المواطن السعيد، أن مدينتنا الفاضلة قد اُبتليت ثلاث مرّات بغضب الغاضب سبحانه وتعالى، ففي المرّة الأولى أنزل علينا تلك البقرة الرعناء التي سبّبت في الحريق الأعظم، الذي راح ضحيته ناس ياما، ثم طفحت المجاري من تلقاء نفسها فأطفأت النيران لكنها غرقت شوارع مدينتنا بالسوائل النتنة والروائح الكريهة، فأصيب عدد لا بأس به من الأهالي بأمراض لا تُعالج سوى برشّ الملح وهزّ المباخر.. أمّا المرّة الثانية فقد أنزل الله عزّ وجلّ تلك المعزة التي قضت على فريق البيسبول الشجاع، فكان الذي يئس وكان الذي تأفّف وتذمّر. ولم تنجو المدينة من هذه البلوة الثانية إلا بجدعنة الأهالي وقوّة عزيمتهم وثقة خطواتهم.. ولمّا كانت هاتان البلوتان قد أتتا على يد حيوانين اثنين الأول بقرة والثاني معزة، فكان من الطبيعي أن تأتي البلوة الثالثة على يد حيوان أقوى بأساً وأشدّ فتنة ، ألا وهو...

[وهنا قمت ضارباً كفاً على كفّ فعرفتُ الجواب وهتفتُ تقزّزاً]: لام واو لام واو..

نِعم الرأي يابني، نِعم الرأي. هذا هو الحيوان الثالث، ذلك الكلب العظيم، الذي يتكّون اسمه من اربعة حروف، اربعة حروف فقط لا أكثر ولا أقل. فلقد أنزله علينا ربّ السموات غضباً علينا لسبب لا يعلمه إلا الله عز وجل، فأيّ شرّ يعدّه لنا هذا الكلب، وأي ويلات يضمرها لنا.. أعوذ بالله وبه نستعين..

[صمت عم سحتوت برهة، لكنه ما عتّم أن عاد الى تنطّطه وتمثيله البارع]:

خلاصة القول يا بنيّ، أن هذا الكلب العظيم، الحيوان المدردح، لم يأتِ سوى ليعيث في الأرض فساداً، أمّا تفاصيل البلوة الآتية التي سيأتي بها علينا، فهي تفاصيل أجهلها جهلاً تامّاً.. المؤكّد، على كل حال، أنه منذ ظهوره في أرضنا الطيّبة فلقد نجحت السيّدة نادية، وهي من أقوى زعماء المافيا في مدينتنا، في ترويض هذا الكلب لأغراضها الخاصة..

[وهنا قاطعت عم سحتوت، فلقد سايرته بما فيه الكفاية إلا أنني وددت أن أفنّد بعض ما قاله فقلت:]

حسناً يا عم سحتوت. حسناً. لكني سمعت رواية غير روايتك للأمور، جاء فيها تفاصيل تخالف ما قلت عن ذلك الكلب وتلك السيّدة التي تدعى نادية. اذ أنّ هناك من يقول أن هذا الكلب لا علاقة له بربّ السموات ولا للبلاوى الثلاثة التي سبق وذكرتها، إنما هو كلب عادي نشأ وترعرع مع السيّدة نادية ذات نفسها في معهد سويسري لفنون السرقة والتشليح، عمره يناهز عمرها، والإثنان هاجرا الى مدينتنا الفاضلة منذ عشرة سنوات على وجه التقريب، وذلك من أجل سدّ الفراغ الذي ظهر آنذاك في قيادات المافيا العليا.. فسدّاه سدّاً عنيفاً..

[كفّ عم سحتوت عن تنطّطه واكتفى بهزّ رأسي موافقاً ثم قال]:

نعم. لقد سمعتُ هذه الرواية أيضاً، وقد لا تقلّ تشويقاً عن الرواية التي سبق وذكرتها لك. لكنّه يجب عليك الآن أن تكتشف أيهما الأصحّ، فتميّز الصدق عن الكذب، والصواب عن الخطأ، والحقّ عن الباطل..

أظنّك ستجد ما يساعدك في هذه المهمّة في الطوابق السفلى للمكتبة الهائلة التي نتظلّل تحتها حالياً. ... [ران الصمت برهة وجيزة، ثم استطرد قائلاً] نعم. مرادك ستلقاه في تلك المكتبة بمتاهاتها الخرافية، هذا أؤكّده لك بكلّ ثقة. لكن.. نصيحتي وحدها لن تضمن لك النجاح. بل إنك ستحتاج الى هذا أيضاً..

التفت عم سحتوت، مال بجسده على عربته المذكورة، مدّ يده بحركة ميكانيكية، سمعت إثرها اصطكاكاً معدنياً، عاد والتفت اليّ مبرزاً عكّازاً خشبياً قد حُفر فيه أربع حروف، أربع حروف فقط لا أكثر ولا أقل..

[نواصل فيما بعد!]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق